Close

نعم للتوطين… و لكن!

صرت أتجنب التعامل مع أي موظف مواطن في أية وزارة أو دائرة حكومية لعلمي مسبقا بمدى رداءة الخدمة و المعاملة السيئة التي سوف أعامل بها، علاوة على اللا مبالاة العجيبة التي تلمسها بشكل واضح في تخليص معاملاتك، وبت أفضل أن أنتظر ساعات طويلة وسط طابور طويل يجلس خلفه موظف عربي أو آسيوي لأنني موقن بأنه سوف يؤدي واجبه بضمير و على أكمل وجه فهو يعلم جيدا أن أي غلطة أو هفوة مهما كانت بسيطة قد تكلفه ثمنا غاليا في حين زميله المواطن جالس بقربه يقرأ الجريدة و يحتسي الشاي و القهوة و مهما ارتكب من (مصايب) فلن يتعدى عقابه الإنذار الشفهي!

لست هنا لأتجني على الموظف المواطن، و لكنني أكتب لكم من واقع تجارب و مواقف عديدة مررت بها،آخرها قبل أيام عندما راجعت إحدى المؤسسات، و قدر لي أن أقع بين براثن موظف من أؤلئك الموظفين المستهترين، و مع أن كل الذي جئت من أجله لم يكن سوى مجرد استفسار بسيط جدا إلا أنني فوجئت حقيقة بردة فعله (الباردة) و مدى الصفاقة التي رد بها علي و كأن الأخ من سكان (الأسكيمو) و ليس موظف استعلامات من واجبه أن يجيب على جميع استفسارات الجمهور، فبالكاد رفع رأسه من على شاشة الكمبيوتر التي كان مبحلقا فيها ليرمقني بنظرة لمست فيها عدم اكتراثه الشديد بي و أجابني بإجابة مقتضبة لم أخرج منها بفائدة تذكر مما اضطرني إلى طلب مزيد من التوضيح لكنه لم يجد طريقة ليصرفني بها من أمامه أفضل من أن يقول: “(أكو) الموظفة الي هناك.. روح عندها!”

و بالمقابل تجد ذلك الأسيوي الذي يشغل نفس الوظيفة و راتبه نصف راتب زميله المواطن يجيب على استفسارات المراجعين بكل لباقة واحترام و الابتسامة تعلو شفتيه فما سبب هذا التفاوت في التعامل؟!

لا شك أن التوطين مطلب هام و شرعي و أمنية لابد لها أن تتحقق في يوم من الأيام، لكن ليس معنى ذلك أن نغفل بعضا من الجوانب السلبية التي ترافق هذه العملية من عشوائية في آلية الاستبدال و نقص كفاءة بعض من الموظفين المواطنين مقارنة مع بقية نظرائهم، ففي كثير من الحالات تجد أن جهد موظف واحد غير مواطن يعادل جهود ثلاثة من المواطنين مجتمعين، كما أنه من الملاحظ أن البعض يفتقد لأصول و آداب التعامل مع المراجعين خصوصا إذا ما تم تعيينه في وظيفة ذات طابع خدمي و تتطلب احتكاك مباشر مع الجمهور كأن يكون موظفا لخدمة العملاء أو أمينا للصندوق، و كلنا نعلم أن أغلب تلك الوظائف لا تحتاج إلى مؤهل جامعي فيكفي أن يكون شاغل تلك الوظيفة حاملا للشهادة الثانوية و ربما الإعدادية، و بما أن أغلب شاغليها هم من الشباب فمن الطبيعي أن يفتقدوا الخبرة الكافية والمهارات اللازمة التي تتطلبها هذه الوظائف، إلا أنه بالإمكان تدارك هذه السلبيات عن طريق تنظيم مجموعة من الدورات التدريبة المتخصصة لتطوير أداء الموظفين و تعريفهم بالطريقة المثلى و الكيفية المناسبة لتسيير أمور العمل و التعامل مع الضغوطات الخارجية المختلفة، ففي الدول الغربية تولي كثير من المؤسسات الحكومية و القطاع الخاص موضوع تدريب و تهيئة موظفيها اهتماما خاصا، لإيمانها بأن موظفيها يجب أن يعكسوا صورة إجابية عن خدمات تلك المؤسسة و من واجبهم أن يوفروا جميع سبل الراحة و الأمان لعملائهم، و أي شكوى عن سوء معاملة أو استغلال نفوذ من قبل أحد موظفيها لا تمر مرور الكرام، أما عندنا فعلى النقيض تماما فتجد موظف قد لا يتجاوز عمره العشرين لا يحمل أي خبرة أو مؤهل يزج به في قسم مراجعينه مثل (الدود) يتعامل معهم بكل غطرسة و تعالي و كأن حضرته حامل لشهادة الدكتوراة (فقير.. و متكبر!!)، و إذا ما تجرأت بإظهار أي تذمر أو شكوى فمصير معاملتك سيكون صندوق المهملات!

في كل يوم تخرج علينا الصحف بتصريحات لمسؤولين في وزارات و مؤسسات مختلفة تبين فيها نسب التوطين بين موظفيها و عن الخطط المستقبلية بصدد زيادة هذه النسبة ، لكن بالرغم من أن هذه النسبة في ازدياد مضطرد إلا أن الخدمات المقدمة هي نفسها إياها إن لم تكن أسوأمن ذي قبل، فإن كنا جادين فعلا في المضي قدما فلابد من وقفة صريحة مع ما تحقق و قبل ذلك يجب أن نغير مفهوم التوطين الراسخ في أذهان كثير من المواطنين، فهو لا يقتصر على عملية استبدال موظف غير مواطن بآخر مواطن بل هو مفهوم أشمل و أعم من ذلك بكثير، مفهوم يعتمد بالدرجة الأولى على النوعية… لا الكم!