Close

محل خمس نجوم(2-2)!

واصلت رحلتي برفقة أسرتي حتى وصلنا إلى أحد الشوارع المكتظة بدور الأزياء و طلب مني أن أتوقف أمام إحدى دور الأزياء الضخمة من ذوات الأسماء الرنانة ففضلت هذه المرة أن أنتظرهم داخل السيارة حتى لا يفوتني برنامجي المفضل الذي كان يذاع ذلك الحين كما أنني اكتفيت بما شاهدته في محل العباءات، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان و تعطل مكيف السيارة فجأة بالرغم من أنني قد قمت بإصلاحه في نفس اليوم، فكما في المرة الأولى لم أجد مفرا من أن ألتجئ لدار الأزياء فمن منا يستطيع احتمال درجة الحرارة العالية؟!

خرجت من السيارة و أنا عاقد النية على أن أقاضي الوكالة لعدم إتقانهم إصلاح تكييف السيارة للمرة الرابعة خلال هذا الصيف، لحسن الحظ كانت دار الأزياء هذه مراعية لمشاعر الرجال المساكين فلم تبخل عليهم في تخصيص قاعة انتظار مكيفة و مجهزة بكافة الاحتياجات اللازمة من ديكور فخم (يفتح النفس) و كراس وثيرة كالتي يجلس عليها مسافرو الدرجة الأولى و تلفزيون مزود بـ (دش) يقوم بالتقاط معظم القنوات الفضائية .إلخ. و من شدة كرم ضيافتهم و معرفتهم أن (الجوع كافر) خصصوا عاملا آسيويا فقط كي (يقهوي ) المنتظرين و يقدم لهم أشهى أنواع الكيك و الجاتوه و البيتي فور و عندما دخلت إلى القاعة شد انتباهي أحد العمال يقوم بتعديل وضعية إحدى اللوحات المعلقة مكتوب عليها : (البيت بيتك… و الدار دارك)!

و لهواة المطالعة خصصت إدارة المحل (أطنانا) من المجلات المختلفة بكافة أنواعها، أما لمن شعر بالنعاس من طول الانتظار فبإمكانه أن يحصل على غفوة سريعة في إحدى الغرف الفرعية (العازلة للصوت) دون أن يقلق من أن يزعجه أحد لكن عليه أن لا ينسى أن يعلق لافتة ) أيقظوني عندما تفرغ زوجتي ) على الباب حتى لا يذهب (في سابع نومة)، و لم تغفل إدارة المحل حقوق الأطفال و ما قد يسببونه من فوضى و إزعاج من طول الانتظار فقامت بتوفير جهاز (بلاي ستيشن) في إحدى أركان القاعة و تحت إشراف عامل آخر يقوم بتنظيم عملية اللعب بين الأطفال حسب قوة الواسطة! أخذت لي مكانا في إحدى الأركان القصية و طلبت من العامل أن يصب لي فنجانا من القهوة و أن يناولني إحدى المجلات كي اتصفحها و لا أخفي عليكم أن الحنين راودني لمشاركة الأطفال في لعبة سباق السيارات لكن (الحياء) غلبني ففضلت الجلوس و قراءة المجلة على أنغام الفرقة الموسيقية التي استأجرتها إدارة المحل خصيصا لإراحة أعصاب المنتظرين خاصة بعد عمليات الإسقاط النسائية لاستنـزاف الجيوب الرجالية !

و بينما أنا منهمك في القراءة سمعت حوارا دائرا بين رجلين يجلسان قبالتي يبدو من ملبسهما و هندامهما الأنيقان أنهما يعملان مجال تصميم الأزياء و يتنافسان على الفوز بفرصة عمل في هذه الدار الراقية بعد أن رتب مدير الدار موعدا ليقابل كل منهما على حدى ، فعلمت أن أحدهما راجع للتو من فرنسا بعد أن درس فنون الأزياء و التصميم هناك كما أنه اكتسب خبرة ميدانية واسعة من خلال عمله مع كبار المصممين أمثال (إيف سانت لوران و كريستان ديور) أما الآخر فقد تخرج من إيطاليا و كان (المرحوم) فرساتشي صديقه (الروح بالروح)!

كان الحوار في البداية متمركزا على آخر صيحات الموضة السائدة هذه الأيام في كل من فرنسا و إيطاليا و أوروبا عامة و على آخر عروض الأزياء التي حضرها كل منهما قبل مجيئهما و كذلك أشهر عارضات الأزياء المتواجدات حاليا في الساحة و ما يتمتعن به من حيوية و رشاقة، و من ثم تحولت دفة الحوار بعد قليل إلى أحدث أنواع الخامات و الأقمشة المستخدمة في عمليات التصميم و التفصيل هذه الأيام ففهمت منهما أن أقمشة( الشيفون و التور المشكوك) أصبحت كلها (مال أول) حيث استحدث كبار المصممين طرقا جديدة للاستفادة من عمليات تصنيع (اللدائن البلاستيكية) في تفصيل فساتين السهرة و الأعراس ، كما أن المحاولات مازالت جارية على قدم وساق لتجربة معادن جديدة لتدعيم (الحصانة الدفاعية) لبعض الفساتين التي مازالت طور التصميم بعد أن لوحظ زيادة نسبة الإعتداء على الفتيات المتبرجات!

ألقيت بالمجلة جانبا و تظاهرت بأني أتابع نشرة الأخبار مستمعا لباقي الحوار الذي انتقل إلى آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا في فنون التفصيل و التصميم فخلافا لتطريزات (الكومبيوتر) التي استحدثت في القرن الماضي أصبح الآن بمقدور كبار الخياطين أن يستخدموا (أشعة الليزر) في عمليات التفصيل و التطريز دون الحاجة إلى عمليات (القص و اللزق) المتعارف عليها حاليا كما أن المستقبل سيشهد الإستغناء عن مكائن الخياطة التقليدية و استخدام أجيال مطورة من الروبوتات الآلية عوضا عن العمالة الآسيوية الذين توارثوا المهنة أبا عن جد!

أكمل صاحبانا الحوار حتى تطرقا إلى أزياء المرأة الخليجية و ما طرأ علينها من تغيير بداية من عصر ما قبل (الكاتولوجات) إلى عصر (الإنترنت) الحالي لكن للأسف قطع الحوار مدير المحل و هو ينادي على المصمم (الفرنساوي) الذي قام يتمشى إلى مكتب المدير بخيلاء كأن الوظيفة أصبحت في جيبه!!

جذبت مجلتي مجددا أبحث عن آخر صفحة كنت أقرأها و أنا أتخيل أن تصل الموضة حتى تطال الكنادير الرجالية و استرسلت في تخيلاتي حتى رسمت لنفسي تصميما مبتكرا لكندورة كانت ستحدث ضجة كبيرة في الأوساط الشبابية لولا أن أختي الصغيرة قطعت حبل أفكاري مجددا لتخبرني أنهم قد انتهوا بعد انتظار دام ساعات طويلة!

طلب مني هذه المرة أن أوصلهم إلى محل لبيع (أدوات التجميل و العطور) ليكملوا شراء حاجيات هذا اليوم لكني اعتذرت بلباقة و تعذرت بشعوري بالصداع و الإرهاق ووعدتهم أن أوصلهم اليوم التالي فلا أعتقد أن مخيلتي تتسع لزيارة ثلاثة محلات دفعة واحدة في أقل من 24 ساعة!!