” دولة صديقة للعرب و المسلمين..منها انطلقت مبادئ حقوق الإنسان و حرية التعبير والرأي و التفكير…..منها انطلق مشعل النور الذي أضاء طريق الحريات و احترام المجتمعات المدنية…يعيش فيها ملايين من المسلمين بأمان و استقرار”
كانت هذه مقتطفات من مقال استفزني كثيرا بعد أن طبل فيه الكاتب و زمر، و أرغى وأزبد، و حشد كل ما يحويه قاموسه الأدبي من عبارات منمقة و شعارات براقة، حتى أنني اعتقدت لوهلة أنه يكتب عن دولة موجودة على كوكب المريخ أو الزهرة، لأكتشف في النهاية أنه لا يحاجج سوى عن فرنسا!.. نعم فرنسا… عدوة الإسلام و المسلمين على مدى الزمان و التاريخ! فعلى مدى يومين متتالين أتحفنا الكاتب الفذ بجريدة الإتحاد “عبدالله رشيد” بهذا الهراء و الترهات التي يمجد من خلالها فرنسا و حكومتها و شعبها، متجاهلا جميع الحقائق التاريخية التي يحفظها كل طفل في الابتدائية عن ظهر قلب عن تاريخ فرنسا الدموي التي طالما أظهرت عداوتها الصريحة و البينة لكل ما هو مسلم و يمت للإسلام بصلة.
ارجع إلى التاريخ يا عبدالله رشيد لترى أن لفرنسا الفضل في زوال دولة الإسلام بعد أن تعاونت مع القوط (الأسبان) على طرد المسلمين من أرض الأندلس بعد حكم دام مدة 700 سنة، و فرنسا “الكاثوليكية” التي تدعي أنها أقرب الدول إلى العالم الإسلامي والعربي انطلقت من أراضيها سلسلة متتالية من الحملات الصليبية المتعصبة لا هدف لها سوى دك حصون الإسلام و الإستيلاء على بيت المقدس و أراقت خلال طريقها دماء آلاف المسلمين و ارتكبت بحقهم أبشع المجازر الوحشية لم يتفوق عليهم فيها سوى المغول عند انقضاضهم على الدولة العباسية، و هل نسيت أن فرنسا قد احتلت العديد من الدول الإسلامية و العربية من ضمنها الجزائر التي استنزفت ثرواتها لأكثر من مائتين سنة وأزهقت أرواح الآلاف من المسلمين لتلقب فيما بعد ببلد المليون شهيد، و إن كنت تجهل في السياسة ففرنسا يا سعادة الكاتب هي من اتحدت مع انجلترا و إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 بعد تأميم قناة السويس، و فرنسا و هي من كان لها الفضل في استحداث انفاقية (سايسبيكو) مع إنجلترا، و فرنسا هي الدولة التي تحتضن أكبر جالية يهودية و أكثرها نفوذا في أوروبا، و فرنسا التي تروج بأنها بلد الديموقراطية و أن الملايين من المسلمين يعيشون فيها بأمان و استقرار كان لها السبق من بين سائر الدول الغربية في إصدار قرار منع ارتداء الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات فأي حرية و ديمقراطية هذه يا سعادة الكاتب المحترم؟ و أي منطق هذا الذي تنادي به عندما دعوت المسلمين و المسلمات إلى مغادرة فرنسا إذا لم يعجبهم هذا القانون؟
فرنسا التي تزعم بأنه انطلق منها مشعل النورالذي أضاء طريق الحريات هي من كان لها الفضل في إغراق قاسم أمين رائد ما يسمى بحركة “تحرير المرأة و مساواتها بالرجل” في ظلمات الجهل و الضلال بعد أن احتضنته على أرضها و مازالت تحتضن كل كاتب أو مفكر يحمل أفكار و توجهات معادية للإسلام و المسلمين إلى يومنا هذا، و لا أعتقد أنه يخفى عليك يا عبدالله رشيد تأثير الثقافة الفرنسية المنحلة على كثير من المجتمعات العربية التي صارت منبعا للفساد و مراكز لتصدير العهر و الإباحية بمباركة فرنسية! و كلنا يعلم أن فرنسا التي تروج لها أنت و غيرك من الكتاب أنها كانت من المعارضين للحرب على العراق لم تتخذ هذا الموقف الرافض حبا للعرب و لا من أجل سواد عيونم بل بسبب تعارض مصالحها مع مصالح أمريكا بعد أن قررت الأخيرة الاستفراد بالنصيب الأكبر من (الكيكية) و إعطاء الفتات للبقية!
هذي هي فرنسا باختصار يا عبدالله رشيد و لا شك أن في جعبتك الكثير من هذه الحقائق و الوقائع الثابتة كونك صحفي و مهمتك الأساسية تنحصر في إظهار الحقائق و المعلومات لا طمسها و تزييفها، فاتقي الله و تذكر قول الله تعالى في كتابه الكريم 🙁 لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ (آل عمران:28) و قوله تعالى:( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (المائدة:51) و إياك أن تدلي بدولك فيما ليس لك به علم و ما لست أهلا له فتكون من أهل الإرجاف والنفاق الذين لايثقون بموعود الله ولا يفقهون سننه و تدخل ضمن الدائرة التي شملهم الله بقوله: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ) (التوبة:87) و كن على يقين بأنه لا فرنسا و لا أمريكا التي طبلت لها قبل أيام و أفردت لها سلسلة من المقالات للتغني بإنجازاتها في حقوق الإنسان و ديموقراطيتها المزعومة سينفعونك عندما تحشر يوم القيامة حافيا عاريا ليس لك من حطام هذه الدنيا شيء سوى صحيفة أعمالك التي تضم (الدبابيس) التي تنشرها يوميا و التي لن يطال وخزها في النهاية سواك وحدك.
(906)