قبل أيام عم الجزر البريطانية طقس مشمس و جميل وصلت فيه درجة الحرارة إلى حوالي الـ25 درجة مئوية و التي تعد جوا ملائما للنزهة و التسوق بالنسبة لسكان هذه البلاد التي تهطل عليها الأمطار باسمرار طوال العام و نادرا ما تشرق الشمس على أراضيها بالرغم من أنا عرفت قديما بالمملكة التي لا تغيب عنها الشمس أبدا!
أما بالنسبة لي فكان هذا الجو بمثابة نقمة و مصيبة حلت على رأسي ألزمتني الجلوس و الاعتكاف في بيتي الصغير لمعرفتي المسبقة بأن ظهور الشمس و اختفاء الغيوم يجر مصائب أخرى لا تقوى على مشاهدتها العيون، فجو بديع مثل هذا مستحيل أن يمر على الانجليز مرور الكرام..و طبيعيا سيستغلونه في قضاء أطول وقت ممكن خارج منازلهم ليتمتعوا باعتدال الجو و يعرضوا أكبر مساحة من أجسادهم إلى أشعة الشمس الدافئة لتصبح الأجزاء الظاهرة أكثر بكثير من الأجزاء التي المستورة بالثياب.. ستجدهم كالذر منتشرين في كل مكان و يتجولون في الحدائق و الأسواق حيث تكون أشعة الشمس ساطعة عليهم و يزداد هذا الانتشار في عطلة الويكند و بالذات يوم السبت الذي أكره الخروج فيه لمعرفتي المسبقة بالازدحام الكبير الذي يصاحب الأسواق و المراكز في هذا اليوم أوقات الشتاء القارصة.. فكيف سيكون الحال و الشمس مشرقة ؟
و حدث في ذلك الأسبوع أن قمت بمهمة انتحارية هي أشبه بمهمات وحدات (الكوماندوز) و فخرجت من مكمني و ذهبت إلى وسط المدينة لأقضي حاجة ضرورية لا تحتمل التأجيل أو التأخير، و يا ليتني ما خرجت..فقد توجب على أن أواجه بلا سلاح كما هائلا من المناظر الخادشة و التي تجبر من به مثقال ذرة من حياء على أن يطأطئ رأسه و يترفع عن رؤية كتل اللحوم البشرية المعروضة برخص التراب لنساء من كافة الأعمار، هناك الصبايا و المراهقات وحتى (العيايز) أبين إلا أن يشاركن في هذه (الطوشة) و ينافسن صغار السن في التبرج و السفور فتلك ترتدي الشورت القصير.. و ثانية ترتدي تنورة بعيدة كل البعد عن الركبة.. و ثالثة صدرها عاري.. و رابعة كاشفة لوشم على ساعدها …..يا إلهي!.. أكاد اجن.. ألهذه الدرجة أصبحت لحوم النساء في هذه البلاد رخيصة و كاسدة لتعرض على الملأ و (الي ما يشتري.. يتفرج)!
حتى الكلاب أعزكم الله التي خرجت برفقة أصحابها للتنزه و الاستمتاع بهذا الجو الجميل أراها تتطأطئ برأسها هي الأخرى خجلا و حياء من رؤية من هذه المناظر و هي تنبح باستنكار : (هوو يا بنت… هو هو يا حرمة)
(هو : عيب… هو هو : اتستري)
بت في حيرة من أمري، فالأهوال أمامي و الفتن من حولي..و لسان حالي يقول: ((التنورة القصيرة من أماكم.. و الفستان الضيق من خلفكم.. فأين المفر؟!))
فبحثت عن طريقة تريح عيناي المسكينتان و تجنبها رؤية هذه المناظر المقززة، فلم أجد مفرا من أن أمشي و عيني معلقة بسقف المركز ،لكني ما لبثت تراجعت خشية أن يقول الناس عني أني مهبول أو مجنون!علاوة على أن اعتدال قامتي لن يساعد على حل هذه المشكلة مع وجود فتيات بطول (ناطحات السحاب) يتسكعن في تلك الأسواق!
فلجأت إلى (الإتجاه المعاكس) و جربت المشي مطرقا ببصري إلى الأرض فكدت في كثير من الأحيان أن أصطدم بمن أمامي خصوصا مع الزحام الحاصل و سلمني الله من كارثة مروعة نجوت فيها من الاصطدام بامرأة بدينة كانت تلبس ثوبا (……) جعلها أشبه بسيخ (شاورما) يمشي على الأرض! فكحل وسط صرت أمشي (مفتح عين.. و مغمض للأخرى)!!
و مع إحساسي الشديد بالجوع و نيتي المسبقة على شراء وجبة خفيفة من إحدى المطاعم المنتشرة إلا أنني فضلت أن أعود بسرعة من حيث أتيت بعد أن أنهيت ما جئت من أجله على عجل و أنا أدعو الله أن يعود الطقس لبرودته المعتادة و أن تهطل علينا الأمطار بغزارة لعلها (تغيثنا) من مشاهدة هذه المناظر الخادشة للحياء و تستر و لو أجزاء يسيرة من هذه الأجساد العارية التي شبعت من العرض على (الي يسوى و الي ما يسوى)، و وصلت في النهاية إلى قناعة أن غض البصر هو مطلب أساسي من متطلبات هذا العصر!
العجيب أنه بالرغم من الأمر الرباني الصريح في القرآن الكريم و التوجيهات النبوية الشريفة المشددة لكلا الجنسين بغض البصر إلا أن القليل للأسف من يلتزم بهذا الأمر و من هذا ما حدث أثناء تجوالنا ذات مرة في إحدى الأسواق عندما لاحظت أن أحد الشباب منهمك في النظر إلى مجموعة من الفتيات فوكزته وكزة خفيفة بذراعي لعله يستحي فرد علي بكل برود: دعني أنظر و أتأمل في إبداع الخالق و جمال تصويره!
موجة
يروى عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه ذهب ذات مرة إلى السوق فوقع نظره على كعب امرأة و عندما عاد إلى منزله وجد نفسه عاجزا عن الحفظ و هو المشهور عنه بقوة حافظته فشكى لمعلمه وكيع بن الجراح ما أصابه فخرج من عنده و هو ينشد:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي….فأرشدني إلى ترك المعاصي
و قال لي إن العلم نور…………و نور الله لا يؤتى لعاصي