Close

شيمادا سان

اليابانيون مشهورون عن غيرهم من الشعوب الأخرى بجديتهم في عملهم و الدقة في مواعيدهم و قلة كلامهم -بعكسنا نحن العرب تماما!- و قلما شاهدت يابانيا يبتسم أو يبادلني الحديث باستثناء عبارات الترحيب المتعارف عليها، الإستثناء الوحيد الذي قابلته هو السيد “شيمادا” أو “شيمادا سان” كما يلقبه الجميع فكلمة “سان” تعني السيد باللغة اليابانية، “شيمادا سان” لا يكتفي بالإبتسام و تبادل الأحاديث الودية مع من حوله فحسب بل لا يتحرج من المزاح و إلقاء النكت و التعليقات التي تكون لاذعة في كثير من الأحيان و التي قد لا تضحكنا بذاتها و لكن ما الكيفية التي يلقيها فيها مستخدما لغته الإنجليزية التي تشوبها اللكنة اليابانية التي يختلط فيها حرفي اللام و الميم و يتحول الثاء إلى سين هي أكثر من يضحكنا!
ليست هذه المرة الأولى التي أقابل فيها “شيمادا سان” فقد سبق أن تلاقينا قبل أكثر من ثلاث سنوات على متن السفينة “أم الأشطان” فهو متعاقد مع الشركة للقيام بفحص نظام التحكم الخاص بمحرك السفينة و كل ما يتعلق به من الدوائر الإلكترونية و الكهربائية و هو ما لايمكن القيام به إلا أثناء تواجد السفينة في الحوض الجاف، و قد علمت لاحقا أنه قضى أكثر من 27 سنة من حياته يعمل في شركة ميتسوبيشي اليابانية للصناعات الثقيلة قبل أن يقرر التقاعد و العمل لحسابه الخاص و إنشاء شركة هو مديرها و العامل الوحيد فيها على حد قوله!
لا أعرف كم عمر “شيمادا سان” بالتحديد و لكنني أقدر بأنه في أواخر الخمسينيات من عمره خصوصا بعد أن أخبرني بأن لديه ابنة واحدة تبلغ السابعة و العشرين من العمر، و مع ذلك فهو مازال يتمتع بحيوية و نشاط ابن العشرين بالرغم من أنه مدخن شره تعرف على السيجارة منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره و حاليا هو يدخن أكثر من علبة سجائر في اليوم مع أنه يدعي مرارا و تكرارا بأنه بصدد التوقف نهائيا عن التدخين، و قد نفدت اليوم آخرعلبة سيجارة قام بجلبها معه من اليابان مما حذاه بطلب المدد من كبير المهندسين الذي أعطاه صندوق سجائر من نوع مالبورو الأحمر أظنها مقابل صندوق (الكيك) الياباني الذي جلبه معه خصيصا من اليابان قبل مجيئه إلى السفينة.

يبدأ دوام “شيمادا سان” الساعة الثامنة و النصف صباحا و لا يغادر السفينة قبل السابعة مساء و أحيانا يتأخر إلى الثامنة، و هو يقطن في إحدى الشقق المفروشة في بر ديرة، سألته البارحة عن وسيلة المواصلات التي تقله إلى حيث يقيم فأجابني بصوته الغليظ ذو اللكنة المميزة : “PAK TAK” لم أفهم في البداية ما يرمي إليه فطلبت منه أن يعيد ما قال إلا أنه كرر نفس العبارة قبل أن أكتشف لاحقا بأنه اختصار لمصطلح يقصد به سائقي سيارات الأجرة من ذوي الجنسية الباكستانية PAKISTANI TAXI..!!

أيام “شيمادا سان” معنا باتت معدودة فهو مطالب بأن يبقى حتى انتهاء الرحلة التجريبية للسفينة ((Sea Trial التي سوف تقام يوم الخامس عشر من الشهر الحالي بعد خروجنا من الحوض الجاف، و بعدها سيغادرنا عائدا إلى بلاده اليابان و لن نراه مرة أخرى إلا بعد ثلاث سنوات أخرى.

بلا شك “شيمادا سان” يعتبر علامة من العلامات البارزة لهذه الرحلة!

(1020)