قبل سنتين قضيت فترة في أستراليا منتدباً من الجهة التي أعمل فيها، كنت أبدأ يومي في الصباح الباكر بإفطار صحي، أذهب للعمل الساعة التاسعة وأعود في الخامسة، أنال قسطاً من الراحة في شقتي الصغيرة قبل شد الرحال إلى النادي الرياضي، أتدرب ساعة ونصف الساعة، أخرج في السابعة مساء، ما يتبقى لي من وقت قبل موعد النوم أستغله في أداء أنشطة مختلفة، قراءة رواية، التسوق، مشاهدة فيلم في السينما، التجمع مع الأصدقاء في الكوفي شوب .. إلخ.
كانت الحياة بسيطة جداً لا وجود فيها لالتزامات اجتماعية، والأجمل أن كل شيء متوافر وميسر، فالنادي ضمن المجمع السكني نفسه، السينما والسوبر ماركت «فرة حصاة» لا يحتاج الوصول إلى أي منهما سوى قطع الشارع، والمنطقة تعج بالمقاهي والمطاعم، في العاشرة أبدأ سيمفونية الشخير الليلية!
في بداية كل أسبوع أجدد العهود بأنني سأعيد إحياء «الاستراتيجية الأسترالية»، سأحرص على الذهاب إلى العمل مبكراً لأخرج مبكراً، سأمارس الرياضة ثلاثة أيام في الأسبوع، سأعتذر عن حضور أي مناسبات اجتماعية إلا ضمن أضيق الحدود وفي عطلة نهاية الأسبوع فقط، لن أذهب إلى أي مكان باستثناء الصلاة في المسجد، سأبتعد عن «العيش والهريس» واستبدلهما بوجبات صحية قليلة السعرات الحرارية، سأستغل جزءاً من الوقت في مذاكرة الدروس مع الأولاد، ومن ثم اصطحابهم للنادي الرياضي، سأحدث مدونتي بشكل دوري، وبطبيعة الحال لن تأتي الساعة العاشرة إلا وأنا «في سابع نومة».
حسناً، ما يحدث هو كالتالي: تذهب متأخراً للدوام بعين نصف مفتوحة بعد وجبة كروية ليلية دسمة وتخرج متأخراً بطبيعة الحال، تبدأ عندها سيناريوهات مختلفة بحسب الظروف:
سيناريو1: تعود مباشرة إلى المنزل مؤملاً النفس بقيلولة قصيرة قبل الذهاب للنادي الرياضي لأول مرة بعد ستة أشهر من التسجيل، ما هي إلا لحظات حتى يبدأ مسلسل «مش على كيفك يا حبيبي»، عندما يأتي أحد الأولاد معلناً خبر مقدم ضيف للمنزل دون سابق إنذار، وسيل المكالمات على جميع هواتفك النقالة مصدرها واحد، وهو الوالد يستحثك فيها على النزول فوراً ودون قيد أو شرط لأداء واجب الضيافة، الضيف لا يخرج من البيت إلا في تمام العاشرة مساء، وبدلاً من حرق السعرات الحرارية تجني ضعفها بمشاركتك للضيف الكريم أطباق السمبوسة والفطائر والحلويات!
سيناريو 2: تعود مباشرة إلى المنزل بعد الدوام وفي رأسك تدور أفكار ورؤوس أقلام ترغب بترجمتها إلى مقال دسم، تتغدى «وتعيّن من الله خير»، قبل أن تلمس أصابعك الكيبورد تبدأ الحلقة الثانية من المسلسل نفسه ضمن الموسم الثاني، حيث تفاجأ بأن هناك من خطّط ورتّب بأنك ستكون الناقل الرسمي لمشوار عائلي إلى القطب الشمالي مروراً بالربع الخالي، العودة بطبيعة الحال لن تكون قبل منتصف الليل، وسلّم لي على الأفكار ورؤوس الأقلام .. والكيبورد!
سيناريو3: تستغل فرصة وجودك في المدينة بعد الدوام لقضاء بعض المشاوير الضرورية التي يحتاجها سكان الضواحي أمثالي، تحاول أن تنهي كل شيء بسرعة لتصلي المغرب في مسجد «الفريج»، وتذكِّر أولادك بأن أباهم حي يرزق، يأتيك اتصال مفاجئ من عيادة الأسنان تبشرك فيه الممرضة بأن اليوم هو يوم سعدك فهناك أحد المرضى «كنسل» موعده، وأنه يتوجب عليك الحضور خلال خمس دقائق إذا ما أردت استعادة ابتسامتك المشرقة وتركيب ضرس بدل الضرس المخلوع قبل أكثر من عقد من الزمان، اعتذارك عن الحضور معناه الانتظار لعشر سنوات أخرى حتى يصل إليك الدور!
سيناريوا 4 و5: لا يختلفان كثيراً، الأول يتمحور حول زيارة مريض أصيب إصبع رجله في حادث مروري، المستشفى يقع على الحدود مع دولة مجاورة، والثاني مشوار ماراثوني للمول لشراء هدية لحامل «ربّت» قبل أسبوع واتقفت المدام هي وصديقاتها على أن يزرنها الليلة في البيت، وحضرتها تريد أن تتميز بألا تحضر «صينية حلاوة» مثل الكل!
رابط المقال في صحيفة الرؤية
(3067)
خفة ظلك تمنحني الراحة وأنا أقرأ كتاباتك، أفكارك متسلسلة مبنية على تراكم جيد لما تتناوله في كل مقالة لك، فعلا دائما ما نقع ضحايا ما نريد وما يريد من معنا، فنسقط في ما يريد على حساب ما نريد من باب الأخلاق والأصول…
أعتقدها مرحلة معينة من الزمن، لنفرض برنامجنا الخاص الخالص، مع تنازلات تكون استثنائية من حين لآخر وليس العكس.
بارك الله فكرك وعقلك، وأهلك ومحبيك… هي الحياة جميلة بالجميع… أنصحك برحلة أخرى في مهمة جديدة إلى أستراليا 🙂
للاسف فرض برنامج المعين هذا يجابه بكثير من المعوقات التي كما ذكرت ضمن مقالي يرجع بالأساس إلى الالتزامات الاجتماعية المعقدة التي نجد أنفسنا متورطين فيها بشكل دائم.
أعتقد أنني محتاج إلى رحلة أخرى للالتزام ببرنامج معين لكن ليست إلى أستراليا هذه المرة بل ربما إلى البرازيل!
سباقنا مع الزمن سباق محموم، بالرغم من اننا نستيقظ مع صلاة الفجر وهي ساعه مباركه الا انه لدينا الكثير من العادات السيئه منها السهر وأكل الوجبات السريعه والدسمه والخ ما ذكرته في مقالك الشيق قد يكون حل مشكلتك هو في الابتعاد والانتقال الى مدينه أخرى !
العادات السيئة هي أساس مشاكلنا على رأسها السهر!
نعم أحتاج إلى مكان جديد أقضي فيه فترة من الزمن لأعيد ترتيب وقتي…هل من اقتراحات!
والله يا اسامة انت رجل تزيد العمر طولا والسيناريوهات التي تكتبها رائعة وواقعية ليتك اطلعت على سيناريوهات من دول عربية مختلفة وهذا يتم عبر التواصل وان ااجزم انك ستأتي ببرامج لم يأت بها الاولين وربما الآخرين انت رجل جميل وهذه شهادة امرأة بلا فخر معلمة وام لستة ابناء وجدة لاربع وشاعرة معروفة في بلدي ادامك الله متواصلا مع الجميع.
مش على كيفك ٫٫ يااااااااااه
هاي الدنيا يا بوعامر ٫٫ الكل يخطط ويقول بسوي .. وبسوي لكن الحال من بعضه ٫٫ خخ
لكن ما أنسى .. الحديث الشريف ( بما معناه ) : ٫٫ خيركم خيركم لأهله ٫٫
وأسأل الله يوفق ويجازي كل من آثر أهله على نفسه .. ولو بشي بسيط
كل أعمالنا نحتسب فيها الأجر لله.. وهذا عزاءنا في كل الموضوع!
ماذا عن السيناريو الذي يدخل فيه علينا صاحبنا ابو ثلاثة ؟
ام هو ممنوع من الدخول والإقتراب من حدود البيت ويعتبر وجوده تهديد على امن الدولة ؟
ههه
خفة وترتيب وسرد بسيط ومتقن، اعجبتني، لكن لا زال اضحك كلما تذكرت مقالتك السابقة من كل بستان ثلاثة
اصريت على قراءة مقالتك هنا بدل الذهاب لموقع الجريدة، لها طعم احلى هنا 🙂
يبدو أن بذرة أبو ثلاثة مازلت متغلغلة فيك يا عبدالحفيظ.. طيب ازرع البذرة الأولى أولا:)
تصدق ؟ هي في الطريق بحول الله
كلنا هذا الرجل يا أسامة … مش علي كيفك
ولكن… تظل هناك ثغرات.. وأنت وشطارتك:)
الصدفة وحدها قادتنى الى موقع كنت اقراء الاخبار فوجدت ان احدى المطربات قد زات مسجد الشيخ زايد فبحثت عن المسجدو وصورة فوجدت موقعك ..
ما شاء الله سلاسة فى السرد مع صور فنان محترف يعرف مواطن الجمال ليبرزها مع خفه ظل و قرب من القلب فى الحديث كانك صديق نعرفه منذ سنين و كان ما تكتبة لا اقراؤه بل اسمعه من صديق بشكل مباشر
الله يوفقك و دائما تكون من افضل لافضل
يالها من صدفة جميلة أخي مصطفى يعد بأنها رمت بك على شاطئ مدونتي المتواضعة
هي زيارة أولى أتمنى أن لا تقطع وأن تحل ضيفا دائما علينا 🙂
هههههههههههه ياخي تذبحني بمدوناتك كلها من الواقع البحت
يليت نكون زي النظام الاسترالي كل شيء له موعد وكل شخص يعرف اداب الاوقات
تحية للشعوب العربية ههههه
السَلامُ عَليكُم ::
اكتشافي لاختراعاتك الكتابية املقالية , حديثة جداً ..
والمُتعة , و الانسجام , زاراني في قراءتي لكلماتك ..
,,
الانشغال بروتين لم نطلبه ولم نحدده , هو اسوء الامور التي تحصل لنا -_- ,, نعزم التغيير كل يوم , لليوم الذي يليه , ويدخل الشهر , و تغادر السنة .. ونَحنُ صامدون ..
..
من الغريب و ( المسموم طبعاً ) سعادتي ان : غيري في مكان وبلد اخر , يحمل نفس العبء :p
فلنُهدي أَنفُسَنا ما نُريد ..