المشهد الأول: طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها الأربع سنوات أشبه بالوردة اليانعة المبللة بقطرات الندى……..ملامح البراءة بادية على وجهها الصغير..تمشي تارة و تقفز تارة و هي تشدو ببعض الأغاني و الأناشيد….تنورة بنفسجية قصيرة بالكاد تغطي الركبة… و قميص سماوي اللون عاري الكتفين يكشف أعلى الظهر وأجزاء من البطن كان ذلك كل ما يستر ذلك الجسد الصغير… اقتربت أكثر لعلي فلم أكن أصدق ما أراه..إلا أن اقترابي أكد لي هول ما أراه… لا بد أنها طفلة إحدى (الخواجات) ممن يحبذون التجوال في المراكز التجارية بهذا واسيت نفسي..لكن المفاجأة كانت عندما أقبلت الأم مسرعة و هي تنادي :” سارة .. سارة لقد تأخرنا..هيا بنا”…
ياللهول الأم عربية مسلمة و من أهل البلد اكما يبدو من زيها و بنتها بهذا الشكل!!…ألقيت نظرة أخرى على تلك الطفلة البريئة.. نظرة شفقة و ألم … ثم أكملت طريقي و أنا أمسح دمعة أبت إلا أن تسيل على خدي..و أنا أردد: سامحك الله أيتها الأم..
المشهد الثاني: في حفلة عرس من الأعراس دخلت فتاة بصحبة أمها تمشي على استحياء و هي تتلفت يمنة و يسرة باضطراب واضح لم تفلح في حجبه كمية الأصباغ و الألوان التي لطخ بها ذلك الوجه المكسين، توجهت إليها أعين جميع لحاضرات بانبهار ظنا أنهها العروس المرتقبة، إلا أنها لم تلبث أن جلست في المكان الذي اختارته لها أمها على إحدى الطاولات، الكل كان يشيد بجمال تلك الفتاة الصغيرة الباهر…و الكل كان يسأل عن الصالون الذي قام بعمل المكياج و تسريحة الشعر…و الكل كان يتغنى بأناقة ذلك الملبس (العاري) التي حرصت الأم على ألا تكشف لهم هوية من قام بتصميمه.. نعم الكل كان يشيد.. و يمدح.. و يبارك للأم الفرحة المنتشية بابنتها… أما الفتاة المسكينة فقد كانت تزداد انكماشا في مكانها و هي تتساءل أين أنا؟…سؤال عابر من إحدى الحاضرات عن عمر تلك الفتاة..كانت الإجابة عليه كافية لتخرس جميع الألسن التي كانت تمدح و تتغزل قبل قليل…إحدى عشر ربيعا كان هو كل ما مضى من عمر تلك الوردة الصغيرة!!
لا شك أن منى كل أم أن تظهر ابنتها أمام الناس بأزهى منظر و أبهى حلة و من الطبيعي ألا تبخل على فلذة كبدها بشراء الغالي من الثياب و الأزياء الأنيقة ، لكن ليس معنى هذا أن نعري بناتنا بهذا الشكل و نعودهم على ارتداء أزياء لا تتوافق مع تعاليم ديننا و أعرافنا الذان يحثان على العفة و الحياء، دعوهم يستمعون بطفولتهم البريئة و عمرهم الجميل دعوهم يستمتون بعفتهم و طهارتهم…..و لا و تفسدوا عليهم لهوهم و مرحهم تحت مسميات الموضة والتمدن و الحضارة…. قولوا بالله عليكم ما الفرق بين وأد الجاهلية و وأد هذه الأيام؟….((و إذا الموودة سئلت بأي ذنب قتلت))… فما تقوم به بعض الأمهات.. وأد للفضيلة…و وأد للعفاف…و وأد للحياء.. بل هو اغتيال لكل معاني الطفولة بأسرها.
لله ما أحلى الطفولة إنها حلم الحياة
…. عهد كمعسول الرؤى ما بين أجنحة السبات
ترنو إلى الدنيا وما فيها بعين باسمة
…. وتسير في عدوات واديها بنفس حالمة
إن الطفولة تهتز في قلب الربيع
…. ريانة من ريق الأنداء في الفجر الوديع
غنت لها الدنيا أغاني حبها وحبورها
…. فتأودت نشوى بأحلام الحياة ونورها
إن الطفولة حقبة شعرية بشعورها
…. ودموعها وسرورها وطموحها وغرورها
لم تمش في دنيا الكآبة والتعاسة والعذاب
…. فترى على أضوائها ما في الحقيقة من كذاب
(879)