أصبحت مدمناً على الاستماع إلى البودكاست، وأفضل الأوقات لذلك هي أثناء التنقل من وإلى العمل أو خلال أي مشوار بالسيارة. آخر بودكاست استمعت إليه كان حلقة مميزة من قناة بدون ورق بعنوان “البوصلة القرآنية في تربية النفس”، حيث ناقش فيها الدكتور نايف بن نهار موضوعاً مهماً حول علاقتنا بالقرآن الكريم. كثيرون يقتصر تعاملهم مع القرآن على التلاوة اليومية أو خلال المواسم مثل شهر رمضان، لكن الحقيقة أن القرآن أعمق من ذلك بكثير، فهو منهج حياة مليء بالدروس والعبر.
لطالما تساءلت عن جدوى النظام التعليمي الحالي، حيث يقضي الطالب ما لا يقل عن ٨ ساعات يومياً في المدرسة، ليتخرج بعد ١٢ سنة دون امتلاك العديد من المهارات الأساسية للحياة. كيف يمكن أن نبرر تعليم الرياضيات المتقدمة بينما يفتقر الطالب إلى أساسيات الثقافة المالية مثل الادخار والاستثمار؟ وكيف تتخرج الفتاة وهمها الرئيسي هو الحصول على وظيفة دون تعلم أبجديات الحياة الزوجية وأساسيات التعامل مع الزوج وتربية الأبناء؟ النظام التعليمي بحاجة إلى إعادة نظر ليواكب احتياجات الحياة الفعلية، لا مجرد تلقين نظريات قد لا يكون لها أي تطبيق في الواقع.
قبل أيام، واجهنا مشكلة في ضغط المياه بالمنزل، وكان الحل بالنسبة لي بسيطًا: إعادة قاطع الكهرباء لمضخة الماء إلى وضع التشغيل. ومع ذلك، لم يتمكن أولادي من معرفة ذلك، واختاروا الحل الأسهل بالنسبة لهم الاتصال بالعامل فورًا!
هذا الموقف يعكس تمامًا ما كنت أتحدث عنه: كيف يقضي أبناؤنا سنوات في المدرسة دون أن يكتسبوا مهارات حياتية أساسية، التعامل مع الأعطال البسيطة في المنزل؟
جعَلني هذا أتساءل بجدية: هل المشكلة في النظام التعليمي الذي لا يركز على المهارات الحياتية؟ أم أنني كمُربٍّ لم أقم بدوري كما ينبغي في تعليمهم هذه الأمور؟ في كلتا الحالتين، من الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين ما يتعلمه الطلاب في المدارس وما يحتاجونه في حياتهم اليومية.
أعتبر نفسي محظوظًا لأنني نشأت في ظل نظام التعليم القديم، والذي—رغم عيوبه—أتاح لي ولأفراد جيلي اكتساب العديد من المهارات الحياتية، إضافةً إلى ذلك، أتيحت لي فرصة الدراسة في الخارج، وهي تجربة أثرت بشكل كبير على شخصيتي وطريقة تفكيري. لم يكن الأمر مجرد تحصيل علمي، بل كان تجربة حياتية متكاملة منحتني مهارات لم أكن لأكتسبها بنفس العمق لو كنت في نفس البيئة التعليمية الحالية، هذه العوامل مجتمعة لعبت دورًا جوهريًا في تطوير قدراتي العملية ومهاراتي في التعامل مع تحديات الحياة المختلفة.
هذا الموضوع يستحق نقاشًا أعمق وتفصيلًا أكثر، ولذلك سأعود إليه حتمًا في تدوينة قادمة.
أترك لكم رابط هذه الحلقة المميزة، وأنصحكم بعدم الاكتفاء بسماعها أثناء القيادة، بل مشاهدتها على شاشة تلفاز كبيرة مع فنجان قهوة، ولكن طبعًا بعد الإفطار!
(15)
أنا شخصياً لا أنتظر تعلم المهارات من المدرسة بل أترك ذلك للبيت. البيت هو مدرسة في حد ذاته وهو معمل للتجارب. مثلاً هذه المهارات يتعملها اﻷطفال والناشئة في البيت: ما يتعلق بالحاسوب من تثبيت نظام تشغيل جديد وتوصيل بالإنترنت، قيادة السيارة، فك وتركيب اﻷجهزة الكهربائية و الاكترونية لتصليحها أو معرفة على ماذا تحتوي. الطبخ وصنع الحلويات والخبائز