Close

يعيش الفلافل و تحيا الشوارما!

دفعات معنوية كبيرة تلقيتها خلال تواجدنا في منطقة الخليج في الأيام القليلة الماضية، الدفعة الأولى تمثلت في التحاق صديقي ضابط الملاحة الثاني “عبدالله” الذي سيخاويني في الخمسة الأسبيع المتبقية لي، و “عبدالله” يعتبر من خيرةالشباب لما يتحلى به من أخلاق رفيعة و التزام بتعاليم الدين دون إفراط أو تفريط تشكل دعما لما يتمتع به من قوة شخصية و مبادئ واضحة تجعل جميع من على ظهر الناقلة يحسبون له ألف حساب… على رأسهم القبطان!

فبلا شك وجوده سيكون خير عون لي في الاستيقاظ لصلاة الفجر و سعيي الحثيث في حفظ سورة البقرة حيث كان له الفضل بعد الله في مساعدة إثنين من الزملاء في إتمام حفظها خلال الرحلة الماضية!

الدفعة المعنوية الثانية تمثلت في استلامي “لكرتون الخير” الذي كان له طعم مختلف جدا هذه المرة و ذلك بسبب المأساة الإنسانية التي يعاني منها جميع من على ظهر السفينة و التي يشترك في تقديم فصولها كل من الطباخ (التعيس) الذي لا يفقه من أبجديات الطبيخ سوى قلي البطاطس و طهي أطباق الخنزير المقرفة، بالإضافة إلى قبطان السفينة الأسباني الذي ينطبق عليه المثل العامي الشهير (عمك أصمخ) نتيجة لإصراره على تجاهل جميع نداءات الاستغاثة بعد قيامه بخفض ميزانية التموين و النزول بها إلى الحضيض في خطوة لم يتخذها قبله أي قبطان آخر.. فيبدو أنه يعتقد أن الشركة سوف تقوم بإهدائه شهادة تقدير على مساهمته في خفض تكاليف الإنفاق و هو لا يعلم أنه لن ينال سوى سيل لا ينقطع من اللعنات و الشتائم يوميا… من وراء ظهره طبعا!

و أحسست بنشوة كبيرة و رغبة عارمة في البكاء فرحا بصحن المشاوي الدسم الذي قام “عبدالله” بجلبه معه بالإضافة إلى 40 شطيرة فلافل و شاورما لم أجد لها مكانا أكثر أمانا و برودة- في هذه الحالة- من (فريزر) السفينة لأرمق بعدها الطباخ بنظرة شامتة و أنا أرسم على وجهي ابتسامة واثقة ، حيث لم أعد أخشى على معدتي من عواقب سوء التغذية لمدة أسبوعين قادمين على الأقل………..: “فيعيش الفلافل..و تحيى الشاورما”…..!!

أما ما يتعلق بالتغذية الفكرية فقد تلقيت إمدادات من نسخ صحيفتي الإتحاد و الخليج الإماراتيتان لأشبع ما بدخلي من نهم لمعرفة آخر الأخبار و المستجدات العالمية، فهل تصدقون أنني كنت أجهل إلى ما قبل يومين أن الفريق الياباني حصل على لقب آسيا لكرة القدم بالرغم من انتهاء البطولة قبل أكثر من أسبوعين!

و يبرز دور “عبدالله” من جديد الذي يستحق لقب (فارس الخليج) بجدارة بعد أن اصطحب معه حقيبة مليئة بالكتب و المجلدات التي تنوعت ما بين المؤلفات الأدبية و بناء الشخصية و كتب الأدب و الفقه و غيرها الكثير من الكتب الدسمة التي يسيل لها لعاب أي محب للقراءة… و كبداية استعرت منه الجزء الأول لمجموعة الكاتب الإماراتي “محمد المر” القصصية و أنا على يقين بأن الفترة المتبقية سوف تكون حافلة بالمتعة والإثارة.. و الثقافة!

و اكتملت حلقات سلسلة بركات الخليج بعد محادثتي لابني عامر الذي لأول مرة أحس أنه بات يميز نبرة صوتي عن بقية الأصوات.. و بالرغم من ذلك فمازالت عقدة الشعور بالذنب تطاردني دائما كوني لم أمض معه سوى 3 أسابيع فقط في الفترة الأخيرة.

كانت حرارة الجو في الخليج عالية جدا هذه المرة، مما جعل غرفة المحركات تتحول إلى ما يشبه الفرن الحراري بعد أن تجاوزت درجة الحرارة الأربعين درجة و صار مجرد التجول لمدة دقيقة فقط تكفي لكي يسبح الواحد منا في عرقه…و مع ذلك تبقى لزيارة الخليج الشهرية نكهة خاصة و مشاعر جياشة يزداد لهيبها مع ارتفاع درجات الحرارة و معدلات الرطوبة!

(955)