“الي في قلبي على لساني” عبارة كثيرا ما نسمع بعض الأشخاص يرددونها و يتخذونها ديدنا لهم في تعاملاتهم مع غيرهم بداعي الصراحة و قول الحق، أفراد هذه الفئة من الناس لا تتحرج من إبداء رأيها بكل فظاظة و (قلة ذوق) و إدخال أنفها في أمور شخصية لا تعنيها بتاتا و دون حتى أن يطلب منها ذلك، فعلى سبيل المثال إذا لم تعجب الواحد منهم تصرفات فلان من الناس أعلنها مدوية على الملأ أن فلان (دمه ثقيل) حتى لو كان جميع من حوله يرى عكس ذلك و حجته دائما أنه صريح.. و “الي في قلبه على لسانه”، و في كثير من الأحيان قد يتمادى في راحته هذه فتجده يحاول فرض رأيه بالقوة عن طريق تقديم اقتراحات قد تناسبه هو في حين لا تناسب غيره فتجده يناضل و يقاتل باستماتة لإبراز عيوب ونواقص سيارة معينة و يحث الجميع على مقاطعتها و اقتناء بديل آخر لها في رأيه هي الأنسب لا لشيء سوى أنه يكره ذلك النوع من السيارات!
لست أدعو إلى النفاق و تعدد الأوجه، لكننا بالتأكيد نحتاج إلى شيء من المجاملة و قليل من الدبلوماسية في تعاملاتنا مع غيرنا من الناس، و في أحيان كثيرة قد يحتاج الواحد منا إلى الاحتفاظ برأيه لنفسه دون أن يصرح به لغيره حتى لو طلب منه ذلك بكل صراحة، فالإنسان هذا الكائن المعقد يبقى في النهاية كتلة من المشاعر و الأحاسيس كلمة واحد قد تجرحه و كلمة أخرى يطيب لها خاطره.
تخيل نفسك فرح و منتشي بغرض ما لطالما تمنيت اقتناءه و استطعت في النهاية أن تحصل عليه ليرميك حظك التعيس أمام أحد هؤلاء (الغلسين) فيفسد عليك فرحتك بكلمة واحدة و يخرب ما تبقى من يومك و كل هذا بداعي الصراحة، و ماذنب تلك الزوجة المسكينة التي تقضي طول النهار في المطبخ تقوم بإعداد الوجبات المختلفة و زوجها لا هم له سوى الانتقاص و إيجاد العيوب فتارة الملح زائد.. و تارة أخرة الملح ناقص.. ومرة اللحم غير ناضج… و هكذا حتى تتعود الزوجة على سماع أسطوانة التذمر المعتادة…و لنا في نبينا و قائدنا المصطفى صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة فكان عندما يعرض عليه طعام لا يعجبه يسكت فلا يقول بأنه سيئ و لا حسن.
شخصيا تعرضت إلى مواقف عديدة مع مثل هذه النوعية من الناس التي لا هم لهم إلا تعكير أمزجة من حولهم و نشر مشاعر الإحباط و اليأس بآرائهم (الصريحة) تلك، إلا أنه مع مرور الأيام تولدت لدي مناعة صلبة تجاه مثل هذه الأساليب المحبطة و لولا هذه المناعة التي أتسلح بها لما استمريت في الكتابة… و لما رأى هذا الموقع النور .. بل لما سمع أحدكم عن شخص يدعى أسامة..فقد قالوا و مازالوا يقولون: … الفاضي… يعمل قاضي.. و ما أكثر القضاة… و الفاضيين هذه الأيام!
آخر البوح
شعرة دقيقة تفصل بين الصراحة و الوقاحة…فاحذر أن تقطعها!
(1010)