Close
Muslim pray

حين تعيدك المحنة إلى الطريق

في زحام الحياة وانشغالاتها، من السهل أن ينسى الإنسان نفسه، أن يغرق في تفاصيل يومه دون أن يلتفت إلى ما هو أهم وأبقى. كنت أعيش هذه الدوامة دون أن أدرك كم كنت بعيدًا عن الأساسيات، حتى جاءت هذه المحنة، وكأنها رسالة توقظني من غفلتي، تضعني أمام الحقيقة بوضوح لم أعهده من قبل.

الصلاة.. أكثر من مجرد عادة

لطالما كنت أصلي، وكانت ومازالت الصلاة جزءًا من يومي، لكن ليس دائمًا بنفس الخشوع الذي تستحقه، ولطالما عانيت مع صلاة الفجر والتي كنت أتأرجح في مسألة الحفاظ عليها، فتجدني لأسابيع أواظب عليها في المسجد لكن بعد فترة تبدأ بالتفلت من بين يدي مجددا ولكن مع ذلك كنت أجاهد دوما أن أصليها قبل خروج الوقت حتى لو كنت منفردا في البيت. 

ومع هذه الأزمة، وجدت نفسي أعود للصلاة بروح مختلفة، بروح من يدرك أنه لا ملجأ إلا لله، ولا قوة إلا به، لم يعد الأمر مجرد أداء واجب، بل حاجة حقيقية، وراحة نفسية شيء أتمسك به كي لا أنكسر،  في كل ركعة كنت أشعر وكأنني أستعيد شيئًا ضاع مني منذ فترة طويلة..ووجدته أخيرا..

الدعاء.. جسر بين الأرض والسماء

في الماضي، كنت حالي حال أغلب الناس أدعو فقط في الأوقات الصعبة، ثم أنشغل بالدنيا حين تهدأ الأمور، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا؛ كنت بحاجة إلى الدعاء في كل لحظة، ليس فقط طلبًا للخروج من الأزمة، بل بحثًا عن الطمأنينة واليقين، كنت أرفع يدي، ليس لأنني أبحث عن حل فوري، ولكن لأنني وجدت في الدعاء راحة لم أكن أبحث عنها من قبل

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ…}

القرآن.. كلمات تُعيد ترتيب الفوضى

حين يمتلئ العقل بالأسئلة والقلق، لا شيء يشفيه مثل كلام الله، وجدت نفسي أعود للقرآن، أقرأه ببطء، وكأنني أسمعه لأول مرة، لم يكن مجرد قراءة، بل بحثا ،عن هدوء وسط العاصفة،  الآيات التي كنت أعرفها أصبحت أكثر وضوحًا، وكأنها تهمس لي بأن كل شيء سيمضي، وبأن هذه اللحظة ليست إلا جزءًا من قصة أكبر، قصة كتبها الله بحكمة لا ندركها دائمًا.

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا

المحنة.. هدية لم أكن أطلبها

لم أكن لأختار هذه المحنة لو خُيرت، لكنني اليوم أدرك أنها كانت أكبر هدية، لأنها أعادتني إلى حيث يجب أن أكون، أدركت أنني كنت مقصرًا، وأن الله برحمته لم يتركني أضيع، بل أرسل لي هذه التجربة كي أعود، قد لا أرى الحل أمامي الآن ولا أدرك الحكمة مما أنا فيه، لكنني أرى الطريق، والطريق واضح: التمسك بالله، بالمحافظة على الصلاة، بالدعاء، وبالقرآن.

قد تكون المحنة صعبة، لكنها أحيانًا تكون الطريقة الوحيدة لتجد نفسك من جديد..

دمتم بود

(34)

8 thoughts on “حين تعيدك المحنة إلى الطريق

  1. نسأل الله أن يرفع عنك كل بلاء ومحنة.
    ما ذكرته كله هذا من علامات التقدم في العمر، حدث لي بالضبط ليك من غير محنة. حيث أصبحت الصلوات هي الأهم و أصبحت أكثر خشوعاً وقرباً إلى الله وتدبراً لمعاني القرآن وأبعد من المعاصي
    نسأل الله أن يهدينا جميعاً ويثبتنا على الحق

    1. أعتقد أن هذا هو أهم درس تعلمته من هذه المحنة أنه لا ملجأ لك سوى الله سبحانه وتعالى، وهو ما قربني أكثر وأكثر من الله وزاد من درجة التزامي بالطاعات

  2. مرت علي تجربة مشابهة. المحنة كانت جد جد مؤلمة ولكن الحمد لله، قربتني اكثر من سبحانه تعالى في علاه.
    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

    1. أجمل مافي مثل هذه التجارب القاسية أنها تقربك أكثر من الله وربما هذا هو سبب الابتلاء الذي تمر به وهو ان الله يود أن تقترب منه أكثر، نسأل الله أن يفرج همومنا وهموم جميع المسلمين

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *