مررنا البارحة على سواحل سنغافورة التي عادة ما نقف فيها لفترة زمنية قصيرة جدا لا تتجاوز الساعة تتاح خلالها الفرصة للحصول على بعض المؤن الغذائية و الحاجيات المتفرقة، كما نقوم بعملية استبدال مجموعة من أفراد الطاقم ممن انتهت فترات عملهم على ظهر السفينة، و قد كان عدد المغادرين هذه المرة 6 أفراد جميعهم من طاقم البحارة.
كانت ملامح الفرح و السرور بادية على وجوههم فلم يتبق سوى ساعات قليلة سيعودون بعدها إلى أوطانهم بعد فترة غياب امتدت إلى تسعة اشهر كاملة هي أقل مدة يسمح بها عقد العمل بالنسبة لهم، و بلا شك تسعة اشهر فترة طويلة جدا لا تخيل نفسي أقضيها وسط البحر بعيدا عن أهلي و وطني مهما كانت المغريات المادية، ربما أنا اقول ذلك لتوفر مجموعة أخرى من خيارات العمل بالنسبة لي، أما بالنسبة لهؤلاء البحارة فلا خيار أمامهم سوى العمل على ظهر السفن مغتربين عن ذويهم و وطانهم و لكن بمقابل مادي سخي يكفل بأن يوفر لهم و لأهاليهم حياة رغيدة و هنئية أو كما نقول (عيشة ملوك) تغنيهم عن الذل الحاجة و السؤال و ذلك إذا ما قورنوا بغيرهم من مواطني اليابس، و خلال هذه التسعة أشهر لا مجال للكسل و التقاعس فكل بحار يعمل ما مجموعه 12 ساعة في اليوم مع يوم راحة في نهاية الأسبوع ?و الود وده أن يعمل 24 ساعة فكل ساعة لها ثمنها!- و بالرغم من هذه العيشة القاسية إلا أن أغلبهم قانع بها و سعيد دون أن يعاني من اية مشاكل أو اضطرابات نفسية!
لا أستبعد حقيقة أن أصاب بحالات من الهلوسة و الجنون إذا ما قضيت 9 أشهر هنا خصوصا إذا ما غادر من معي من أصدقائي و بقيت هنا وحيدا!
(789)