كان من المحدد أن تمر السفينة ظهر اليوم التالي وهي في طريقها إلى اليابان و هذا يعني أن أمامي أكثر من 24 ساعة قبل موعد الإلتحاق، لذلك أوصلني السائق إلى فندق Plaza Parkroyal Hotel الذي يقع في الـ Beach Road و مقابله تماما يتواجد الحي العربي الشهير أو Arab Street الذي يتوسطه مسجد “السلطان” أكبر مساجد سنغافورة.
لم تكن هذه الزيارة هي الأولى بالنسبة لي فقد سبق لي أن زرت سنغافورة مرات عديدة كونها محطة الالتحاق الرئيسية بالسفن أو النزول منها في أغلب رحلاتي البحرية، و مع أن إقامتي خلال تلك الزيارات لم تكن تتجاوز اليوم أو اليومين بالكثير أي أنها تعد (ترانزيت) – باستثناء رحلة شهر العسل التي قضيت فيها 3 أيام- إلا أنني استطعت مع توالي الزيارات أن أستكشف معالم هذه الجزيرة الصغيرة التي لا يحتاج قطعا من شرقها إلى غربها إلى أكثرمن ساعتين بالسيارة.
كنت أحس بالتعب و الإجهاد الشديدين لعدم حصولي على فترة نوم كافية خلال فترة الطيران إلا أنني كنت أجاهد نفسي كي لا أستسلم لإغراءات الفراش الوثير لأنني على يقين أنني إذا خلدت إلى النوم فلن أستيقظ مجددا إلا قبيل المغرب و سوف يستحيل بعدها النوم أثناء الليل، ففي مرة سابقة غفلت عن هذه النقطة و النتيجة أني بقيت طوال الليل مستيقظا كطائر البومة مما جعلني أصل إلى السفية صباح اليوم التالي منهك القوى و عيناي تكادان تخرجان من محجريهما من فرط التعب الذي خلفه السهر و احتجت إلى عدة أيام كي أستعيد نظام نومي المعتاد من جديد.
كنت أخطط أن آخذ حماما دافئا أزيل بواسطته عناء السفر و أستعيد به نشاطي قبل أن أشد رحالي إلى شارع Orachard Road قلب سنغافورة النابض الذي تنتشر على جانبيه مراكز التسوق الضخمة و أماكن الترفيه المختلفة والذي يعد نقطة تجمع السياح و القادمين إلى سنغافورة، و مع أنني تجولت في أنحائه أكثر من مرة حتى صرت أحفظ معالمه شبرا شبرا إلا أنني زيارتي هذه المرة كانت بالدرجة الأولى لشراء بعض الأغراض و الحاجيات على رأسها (مقص الأظافر) الذي غفلت نسيت إحضاره معي، فأحيانا نسيان الاشياء الصغيرة قد يتسبب في مشاكل مستقبلية كبيرة و في هذه الحالة ستطال الأضرار أسناني التي قد أضطر لاستخدامها لقضم أظافري طوال فترة وجودي على ظهر السفينة!
أدرت بصري في أنحاء الغرفة التي تبدو مألوفة لدي فلفت انتباهي توفر خدمة الإنترنت عبر خط ADSL سريع لم يكن متوفرا قبل سنتين عندما نزلت في الفندق نفسه، و بسرعة أخرجت رفيق دربي من حقيبته -الذي أطار”عامر” من لوحة مفاتيحه حرف (التاء)!- و قمت بتوصيل الكيبل و اتبعت الخطوات المذكورة في كتيب التعلميات و لكنني عانيت من مشاكل في الاتصال سرعان ما حلت بعد أن قمت باستدعاء أحد موظفي الفندق الذي حولني بدوره إلى موظف خدمة العملاء في الشركة المزودة و اكتشفت بأنني أحتاج إلى رقم بروكسي معين قبل أن أتمكن من الإتصال.
كان الاتصال بالانترنت بواسطة جهازي المحمول فرصة سانحة لتحميل مجموعة من الدروس والمحاضرات التي لم أجد الفرصة لتحميلها على جهازي قبيل سفري، فانكببت على تحميل ما تبقى من حلقات البرنامج الرائع (صناع الحياة) من موقع الأستاذ “عمرو خالد” حتى بات يشغل مساحة كبيرة من القرص الصلب لجهازي كوني قررت تحميل ملفات الفيديو، و سنحت لي الفرصة للدردشة مع بعض الأخوة و الأصدقاء على الماسنجر و تنقلت بين المواقع المختلفة بحثا عن مقالة مفيدة أو قصة مسلية أو أي شي يمكن تحميله و حفظه يعينني على قضاء وقتي على متن السفينة، و كانت حصيلة تلك الجولة (الانترنتية) وفيرة فلم أنتبه لنفسي إلا و قد بلغت الساعة الثالثة ظهرا و قد خارت قواي و بلغ النعاس مني مبلغه حتى أنني كنت أتخيل أن عيناي أصيبتا بالحول و أن الدخان الأسود بات يخرج من أنفي من فرط التعب، فاستليقيت على الفراش و في نيتي أن أنام لساعة أو ساعتين على الأكثر، لكنني لم أنتبه لنفسي إلا و الساعة تشير إلى السابعة مساء لتتلاشى جميع أحلامي بالحصول على مقص للأظافر من Orchard Road! لم يكن لدي خيار آخر سوى التسكع في مركز التسوق الصغير القريب من الفندق فليس من المجدي الذهاب في هذه الساعة المتأخرة نسبيا إلى Orchard Road على أن أستغل الفترة الصباحية للذهاب إلى هناك و شراء مقص الأظافر الذي صار شغلي الشاغل!
استغليت تكفل الشركة بكافة مصاريف الإقامة و الوجبات بتدليل نفسي بوجبة عشاء دسمة طلبت إيصالها للغرفة، وبما أنني نلت كفايتي من النوم بسبب القليلولة المشؤومة التي امتدت إلى أربع ساعات من النوم العميق، لم أجدا مفرا من الجلوس و السهرعند جهاز الكمبيوتر و الغوص في أعماق الشبكة العكبوتية التي سأبتعد عنها لمدة شهرين، إلى أن بدأت أستعيد بعضا من خيوط النعاس عند الفجر فقمت بضبط المنبه على الساعة الثامنة صباحا…. و لكن النتيجة كانت فتاكة…….خخخخ خخخخخ خخخخخ خخخخخ حتى الساعة الحادية عشرة صباحا!!
بقيت جولة أخيرة سأحكي لكم فيها عن يومي الأول في “أم الأشطان”.. فخليك في البيت!
(1071)