Close

هل المدنية تقاس بالأشياء الجديدة؟

adtaxiوصلني إيميل من أحد الأصدقاء يضم مجموعة من الصور للسوق المركزي القديم بأبوظبي، حالما رأيت تلك الصور عدت بذاكرتي إلى أيام الطفولة عندما كانت والدتي حفظها الله تصطحبني معها في كل مرة تذهب فيها إلى السوق، كانت منطقة السوق تنقسم إلى قسمين رئيسين القسم الأول يسمى بالسوق القديم وتتمركز فيها أغلب محلات المواد الغذائية والبهارات بالإضافة إلى محال الذهب وبعض المحلات المتفرقة، أما القسم الثاني فيسمى بالسوق الجديد وفيه تنتشر محلات الملابس والإلكترونيات والأحذية والمستلزمات النسائية ومحال أخرى متفرقة، يفصل بين السوقين شارع خليفة ويرتبطان بجسر معلق للمشاة كان يعتبر إحدى معالم المدينة

كانت المسافة ما بين بيتنا القديم إلى منطقة السوق لا تتجاوز بضعة كيلومترات في مشوار لا يكلف أكثر من 3 دراهم بواسطة سيارات الأجرة، كان الوقت المفضل للذهاب إلى هناك بعد صلاة العصر حالما تفتح المحال آبوابها قبل أن نعود محملين بالعديد من الأكياس في نهاية اليوم، لم يكن هناك ازدحام كبير في الشوارع ولم تكن هناك أزمة في البحث عن سيارات أجرة كما هو الحاصل هذه الأيام.
كان اليوم الوحيد الذي يشهد ازدحاما نسبيا هو يوم الجمعة الذي تتحول فيه ساحات السوق أشبه بسوق عكاظ  بسبب تجمهر الآسيويين الذين يجدون في السوق متنفسا مثاليا لهم خلال يوم إجازتهم.
كنت أميل أكثر إلى التجول في السوق القديم الذي يتميز بذلك الممر الطويل والفسيح والذي تتوزع على جانبيه العديد من المحلات المختلفة، أذكر منها محل لبيع الألعاب طالما توقفت عنده لشراء الألعاب منفقا كل ما جمعته من مبلغ “العيدية”

مازلت أذكر محلات الهنود الذين يبيعون الاكسسووورات البناتية (أقراط للأذن وشباصات للشعر … إلخ) وهم يتنافسون في الصياح “درهمين درهمين”، وعلى الجانب الآخر محلات “البتان” الذين يبيعون الأحذية والنعل، عادة ما يكون السعر الابتدائي  لكل زوج أحذية فوق المائة درهم وهو مصر أن البضاعة إيطالية قبل أن يهبط تدريجيا وتحصل علر الزوج في النهاية بمبلغ يقل عن الخمسين درهما!

منطقة السوق صارت من أطلال الماضي حالها حال أغلب معالم أبوظبي التي اندثرت لتحل محلها  مباني مشيدة على الطراز الحديث بحجة اللحاق بركب المدنية،  تمنيت في الحقيقة مثل كثيرين غيري لو تم الإبقاء على ذلك السوق و ترميمه بدلا من هدمه وبناء آخر جديد، أمنية أخرى لم تتحقق وهي مراعاة ذلك في التصميم الجديد وذلك للحفاظ على قليل من عبق الماضي الجميل بدلا من التصميم الحالي الأقرب إلى تصاميم المولات و المراكز التجارية

على أية حال مازالت أعمال البناء فيه لم تنته بعد بالرغم من مرور سنوات على هدم السوقين ويبدو أن ذلك سيطول كالعادة.

للأسف أغلب مدن الدولة حاليا تتنافس على إنشاء المباني على الطراز الحديث، أغلب تلك المباني مكسية بألواح من الألمونيوم و الزجاج الملون، وكما هو معلوم فمثل هذه المباني ليست صديقة للبيئة فلا توجد مصادر طبيعية للإضاءة بل تعتمد  بشكل كلي على الاضاءة الصناعية ونفس الوضع ينطبق على التهوية التي تعتمد على أجهزة التكييف في هدر كبير وواضح للطاقة التي نحن في أمس الحاجة إليها.

أبوظبي بالتحديد تغيرت كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية ، لم نعد نملك لا سوقا جديدا ولا قديما بل مجموعة من المباني الزجاجية يطلق عليها مسمى “مولات” يتكدس فيهما أغلب سكان المدينة طوال الوقت،  أبوظبي لم تعد تلك المدينة الهادئة التي كنت أستمتع  مثل غيري بالعيش فيها، وتيرة الحياة فيها متسارعة وموجة الغلاء اكتسحت كل شيء فيها.

لا أتحسف على تلك الأيام بقدر ما أتأسف أن أبنائي لن تتاح لهم فرصة العيش حياة بسيطة خالية من التعقيدات.

(5093)

20 thoughts on “هل المدنية تقاس بالأشياء الجديدة؟

  1. يا أسامة ما أجمل أن تبقى لنا ذكريات جميلة للأماكن التي عايشناها أيام صغرنا !!
    الوضع في بوظبي يبدوا أنه كما وصفت .. لكن أعتقد أن إمارة الشارقة ممكن نضرب فيها المثل بالتمسك ببعض المناطق الأثرية ، بل و حتى ترميمها بدلاً من هدمها !
    على سبيل المثال السوق القديم في الشارقة .. ذكرياتك في السوق القديم في أبوظبي قد تتسابه مع ذكرياتي في السوق القديم في الشارقة .. و الفرق أن السوق القديم في الشارقة ما يزال موجوداَ و الإقبال عليه موجود و من كل مناطق الدولة .. و سوق العرصة فس سنواتي الأخيرة في الشارقة كان مكان جميل لقصده و الجلوس في “القهوة” الصغيرة فيه و شرب شاي “زنجبيل” !!
    ذكريات جميلة يا أسامة .. و الأجمل أن تبقى بعض الذكريات هذه متواجدة في أرض الواقع .. لا مشكلة في بناء المولات و البنايات الجديدة .. لكن على الأقل لا يتم هدم الأماكن الأثرية و المتعلقة في قلوب الناس .. لا أعتقد أن أبوظبي بمساحتها الواسعة تعاني من ضيق في المكان لكي تهدم و تبني الجديد !!

  2. سبق أن كتبت في مدونتي عن سلسلة أفلام الثقافية تسمى كيف تتعلم المباني، أتمنى أن تشاهدها، في كثير من مدن العالم خصوصاً في أوروبا واليابان وأمريكا وحتى مدن في أمريكا الجنوبية تحرص على الحفاظ على قديمها، وهناك مزيد من التوجه نحو تحويل المدن لمجتمع مترابط بدلاً من تقسيم الناس بالشوارع وإجبارهم على استخدام السيارات للتنقل.

    هذا الموضوع يهمني كثيراً، نحن لا نستطيع فعل الكثير بدون السيارات، بينما يتمكن الإيطالي مثلاً من الذهاب إلى عمله والعودة وشراء ما يريد والجلوس في مقهى والمشاركة في فعاليات ثقافية وكل هذا في مكان قريب من منزله، لا حاجة للسيارات.

    لماذا أقول كل هذا؟ المدن القديمة معروفة بطرقها الضيقة غير المناسبة للسيارات، هذه المدن مناسبة أكثر للتواصل الإنساني والثقافي الذي نفقده والذي استبدلناه بالجديد وبرأس المال وبالاستهلاكية العمياء والسعي للجديد لمجرد أن يكون جديداً وليس بالضرورة أن يكون أفضل من القديم.

    لدي ذكريات كثيرة مع السوقين ويؤلمني ما أراه اليوم من بنايات جديدة بدأت تعلوا، نحن بحاجة لأسواق مفتوحة كما كانت في الماضي وكما ذكر الأخ مروان عن أسواق الشارقة.

  3. أخي أسامة.. الأماكن كالبشر تكبر و تشيخ ثم تموت..و أيضا ترتبط بالانسان و تحمل أفكاره كما يحمل هو ذكرياتها..
    تحياتي..

  4. صدقني وكأن رائحة ذلك السوق حامت حولي وأنا أقرأ هذه المقالة
    خصوصا وأنا أتذكر كيف كنت أحاول أن أحضى ببعض الحلوى والمكسرات من الأكياس الموجودة في المحلات التي يدخلها والدي 🙂
    الذكريات لا تعيدها أحدث البنايات

  5. أبوظبي أكثر الدول في العالم اهدارا للطاقة

    وتحديدا في المباني السكنية والتجارية، حيث يتم تصميمها وبنائها بأضعاف مضاعفة من الحاجة الفعلية للطاقة

    وبالامكان توفير من 90% الى 30 % من الطاقة في أبوظبي على أقل تقدير، وهذا كلام علمي دقيق تم وفق دراسات منهجية وموثقة، وبحكم عملي فاني على استعداد لتوفير الاستشارة اللازمة لمن يرغب في وقف هدر الطاقة في أبوظبي

    وأعده باذن الله بتوفير ما لا يقل عن 30 % من الطاقة المستهلكة في أي من المباني التجارية والسكنية، لأني أعرف تماما ويقينا بأنها كلها قد صممت فوق الحاجة بكثييييييييييييييييييييييييييييييييييير

  6. اننا نقول ان كثرة المتعلمين او الثروة المادية او التطور العمراني او الاقتصادي لا يعني بالضرورة نهضة المجتمع.

    نعم قول حق لان مفهوم المدنية تختلف تماما عن الحضارة ولا يجوز ان نعمل خليطا بين الحضارة والمدنية خاصة عندما نسلط الضوء على فكرة انهاض المجتمع لانهما يختلفان عن بعض فالمدنية هي الطائرات والكمبيوتر والصناعات وغيرها من الاشكال المادية والحضارة هي مجموعة مفاهيم عن الحياة.

    والتاثير في المجتمعات لا يتأتى الا بحمل الاسلام حملا صادقا وتبيانه للناس بالادلة والبراهين الساطعة كما صنع محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة عندما كان وحده مسلما ..كان يقول للناس (قولو لا اله الا الله تفلحو ) …

  7. كم كنت أحب الذهاب إلى هُناك…

    أتذكر تلك الأيام عندما كُنت أذهب مع العائلة ونمشي بين ممرات السوق التي لا تخلوا من الحفر.
    والأجانب الذين كنت أنظر إليهم نظرة تعجب وكأنهم وخلوقات غريبة…

    ولكن هذه هي الحياة

  8. جميــل ان نواكب التطور ,, لكــن الأجمل هو الحفاظ على هويتنــا المتمثله في التصاميمـ العمـرانيــه على طراز يشبهنا ..!

    لا انكر ان صـور السـوق المركزي الجديـد جميــله لكن هناك تصحيح واجب القيام به لو كانت الصور واقعيــه وهمـ المواطنيــن في الصــوره !!!!

    خربشات .. السموحه
    وشكراً على ما تركته من كلمات ..

  9. أذكر أنني لم أكن أحبذ الذهاب لهذين السوقين لسبب أننا كنا لا نذهب إلا في أيام الحر والرطوبة التي كانت لا تطاق ، إلا أنني الآن عندما أتذكر تلكـ الأيام أشتاق لها فعلاً .. من المؤسف أنهم لم يتركوا سوقاً شعبياً في العاصمة!

  10. هذه المرة الأولى التى ألتقى بمدونتك
    والحقيقة أبهرتنى بشدة
    لتنوع الموضوع والحرفية العالية
    ثم إنى من عشاق التصوير
    ومن عشاق الكتابة الساخرة فى نفس الوقت
    وأمارسهما وأستمتع بممارستها
    تقبّل صداقتى لمدونتك الجميلة

    أحمد الصباغ – مصر

  11. كان بيتنا مشرفا على زاوية السوق الجديد..هذا الموضوع ذكرني كثيرا بتلك المنطقة وتلك الفترة التي عشتها في ذلك البيت.. هذا السوق كان معلما تاريخيا في أبوظبي.. مثله مثل دوار الساعة الذي تمت ازالته ايضا منذ فترة قريبة.. خطة لتغيير ملامح المدينة التي علقت بذكريات طفولتنا…

  12. مرحبا صديقي

    اعدت لي ذكريات جميله جدا بهذه الصور ، لم تكن لدينا مولات ولا مراكز تسوق ولكن كان لدينا هذا السوق البسيط تجد به الغنب والفقير،
    تدوينة جميلةة صديقي

    تقبل مروري

  13. وهل العودة إلى المباني القديمة هو الحل في إيجاد بيئة من الطراز التراثي كي نشعر بالامان؟
    دائما ما تثار هذه القضية ما بين التقليدية في المباني والمعاصرة الحالية الان..
    أيهما الانسب والافضل لنا في المعيشة؟

  14. أشاركك الرأي أخي أسامة، الحياة تغيّرت و إندثرت فيها الأشياء القديمة. صحيح أن المولات توفّر رفاهية أكثر أثناء التسوق، إلا أنها تخلو من البساطة .. و لن يكون هناك ما يمكن أن نطلق عليه “مول شعبي”.

  15. مروان…

    بالتأكيد الشارقة مستثناة من هذا الكلام.. فشتان ما بين جهودها وباقي الامارات..

    عبدالله…

    حلم انشاء مدينة بدون سيارات أعتقد حلم صعب المنال…للاسف الغرب يتنافس في المحاظة على البيئة وحفظ الطاقة ونحن نتافس على العكس تماما

    نوفل…

    ولا تبقى سوى الذكريات،،،

    عابر..

    تحضى و للا تحط في جيك ةون أن يلاحظ ذلك أحد… اعترف 🙂

    أواب الشيخ..

    ياليل أخبرتني قبل أن الانتهاء من بناء المنزل!
    ولكن فعلا مثلما ذكرت أبوظبي هي المهدرة الاولى للطاقة بين الامارات وربما في الشرق الاوسط!

    حبيب الخلافة…

    للأسف صارت المادة هي مقياس المدنية يا حبيب..

    ماسة الكون…

    كلن له ذكريات بين أروقة السوق…،لكن!

    !!

    كانت لدي نفس التحفظات عن الصور الافتراضية ولكنني آثرت السكوت!

    أفلاطونية..

    يبدو أنهم كانو يغصبون على الذهاب معهم 🙂

    أحمد الصباغ..

    حياك الله أخي أحمد في المدونة و أتمنى أن لا تكون الزيارة الأخيرة…

    ريم مهندس..

    وكم من معلم في أبوظبي تمت إزالته يا تري؟

    سالم الامارات..

    الظاهر يجب أن نتعايش مع هذه المولات إلى أبد الآبدين!

    وعد الشدي…

    ليس بالضرورة ولكن من المفترض أن تراعى أمور كثيرة خلال تصميم المباني وانشائها سعيا للحفاظ علر البيئة والتقليل من  هدر الطاقة.. سواء كان التصميم حديثا أم تقليديا بالامكان تحقيق هذه الشرط ولكن للأسف لا يتم في كلا الحالتين…

    عوني…

    أضف على كلامك أن غلاء الايجارات في هذه المولات يفرض على التجار المبالغة في أسعار سلعهم..

  16. يااااااااه يا أبو عامر
    ذكريات … قاعد اقراها وافتكر منظر السوق .. محلات الخياطة … محلات الاحذية والنعالات كنت بجيب الواحد 45 .. لسا فاكر
    ولا محلات الالعاب والاكسسوارات .. الالعاب اللي بتتحرك قدام المحل كنت احب اتفرج عليها
    الاجانب على طول هناك .. مش عارف ليه
    كنت فرح دايما لما نطلع جسر المشاه وبالذات من الطريق المايل مش من السلم .. عشان بيدور

    تصدق لحد الان دايما اتلخبط مين السوق الجديد من القديم 😀

    قلبت علينا المواجع .. كانت ايام متتعوضش

  17. ييت على الجرح اخي أسامه…

    كنت اتحدث انا وابو ابنائي قبل فترة عن موضوع قريب من موضوعك،،،

    اشعر بالأسف حقا بأن ابناؤنا ليس لديهم شيئا يتذكرونه عند الكبر…

    فأصبحت البنايات كلها تتشابه بعد ان كان هناك بناية زرقاء اسماها اخي بأسمه وبناية وردية اسميتها بأسمي…

    الحياة اصبحت سيم سيم…منقولة نقلا ومطبوعة بلا رائحة للأصالة والميزة…

    السوق القديم::::

    ذهبته آخر يوم اغلقوه فيه…ولن انسى ذاك اليوم…

    أبدا….!!

  18. يالطيف على ايام زمان. للآن اذكر صوت الأغاني البسيطة التي تخرج من عند محلات ألعاب الأطفال. كنت بالمدرسة صغيراً حينما كنت اذهب كل يوم للسوق مع أهلي.

    كانت ايام حلوة. وللآن متذكر إذاعة خبر احتراقه 🙁 أنا كنت وقتها بالمدرسة.

  19. والله أيام ما تنسي، كنا نروح مع الوالد الله يحفظه، وأول ماتدخل السوق تسمع ميحد حمد من محلات الأغاني، وأهم شي عصير الناريل الخضر (جوز الهند) الطازج.
    وأتذكر الصلاة في السوق القديم تكون على فرشات بلاستك في الممر الكبير أما السوق الجديد فيوجد فيه مسجد.
    خفنا على السوق القديم يوم احترق ومن بعدها حسيت انه أيامه صارت معدودة.
    ليتهم رمموه أو هدموه ورجعوه على الطراز السابق، الله يرحم ذيج الأيام.
    تحياتي لك أخوي أسامة ولو انه تعليقي متأخر.
    جمعه سعودي مقيم سابقا في أبوظبي

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *