اعتقدت لببرهة أن مضيف الطائرة يمازحني عندما أخبرني بأن مكاني المخصص ضمن رجال الأعمال، مما جعلني ألقي نظرة خاطفة على بطاقة الجلوس التي نسيت أن أتفحصها قبل دخولي الطائرة، لأفاجأ بأن مكاني بالفعل وسط الصفوف الأمامية في قسم رجال الأعمال، يا سلاااام..إذن سأجلس على مقعد مريح و واسع بدلا من مقاعد الدرجة السياحية الضيقة التي يحشر فيها المسافر حشرا (خصوصا مقاعد المنتصف!)، أمضيت دقائقي الأولى في العبث بمجموعة الأزرار الموجودة على المقعد.. لمسة واحدة ليتحول المقعد إلى فراش وثير و لمسة أخرى يمتد بعدها مسند لراحة الرجلين …يا سلالالالالام أخيرا سأسمتع بنوم هانئ طوال مدة الرحلة دون فوضى و إزعاج من قبل أطفال (الدرجة السياحية)!…… لا لا لا.. لن أنام فقد تفوتني مواعيد إحضار الوجبات التي تقدم (لرجال الأعمال) ستكون شهية بالتأكيد…و لن أفوت العصائر الطازجة المتوفرة على مدار الساعة… حجزت لأصبع من أصابعي مكانا ثابتا على زر طلب الخدمة قبل أن أنسى مكانه و أنا عاقد النية على أن أزعج المضيفة بطلباتي المتكررة.. عصير.. كوب ماء… عصير… عصير…(حتى لو كنت غير عطشان) .. لا بد أنها غلطة.. لكن غلطة و ما أجملها من غلطة أتمنى أن تتكرر دائما.. فكم هو رائع أن تدفع ثمن بطاقة درجة سياحية لتجد نفسك مع ركاب درجة رجال الأعمال!
للأسف غبطتي و سعادتي لم تستمرا سوى للحظات ، ففجأة وجدت نفسي محاطا بمجموعة من الأشخاص إحاطة السوار بالمعصم، منهم اتخذ أماكنه على المقاعد الأمامية و أحدهم جلس بجاوري، لم أرتح إليهم أبدا فهيئاتهم و حركاتهم تثير الشك و الريبة! ألقيت نظرة عن قرب على هيئة جاري الجالس بجواري..فاحترت في جنسه هل هو رجل أم امرأة؟ هو ليس بامرأة بالتأكيد و إن كان كذلك ستكون المرة الأولى التي أشاهد فيها امرأة تحمل تفاحة آدم!… أشكال جعلتني أتوجس منها خيفة…فالوجوه صماء لا أثر فيها بتاتا لا لشارب و لا لحية…و تناقضها شعور طويلة ناعمة و مسرحة بعناية… علاوة على مكياج خفيف هادئ (ربما لإظهار الجمال الطبيعي!)
لا أذكر كم كان عددهم بالضبط ربما أربعة أو خمسة.. إلا أنني مازلت أذكر صورة أحدهم…كانت ملامحه تدل على أنه من أصول هندية… شعره مجعد (منفوش) بعكس بقية أصدقائه (أو صديقاته!)…ربطه بعناية (بمطاطة) صغيرة في مؤخرة رأسه… ذو خصر نحيل جدا ربما شجعه على إرتداء بنطال ضيق جدا جدا.. و قميص (أبو صرة) قصير يظهر أجزاء من بطنه كزي المراهقات الأجنبيات… على عينيه نظارة شمية سوداء مع أن الرحلة كانت ليلية!…منظر مقزز و بشع.. خصوصا عندما كان يهب واقفا من مكانه و يقوم بتعديل ملابسه فينزل القصير و يرفع الطويل قبل أن يذهب إلى دورة المياه!
حينئذ أيقنت أنني في ورطة حقيقة فمن حولي ليسوا سوى مجموعة من الشواذ جنسيا رماهم القدر معي على متن نفس الطائرة بل ضمن (رجال الأعمال)، و جلست أشتم و أسب موظف الخطوط الذي لم يجد لي إلا هذا المكان-مع أنه لا ذنب له- و أنا الذي كنت قبل لحظات أشكره و أثني عليه.
تظاهرت فيما تبقى من زمن الرحلة بأني منشغل على جهازي اللاب توب (تماما مثل رجال الأعمال!) بعد أن تبخرت أحلامي في الاستمتاع بنعيم (رجال الأعمال)، و أنا ألقي بين الحين و الآخر نظرة امتعاض و اشمئزاز على المسخ البشري الجالس بجواري الذي كان منشغلا هو الآخر و لكن في إزاحة خصلات من شعره الأشقر المتناثرة على جبينه! قد يكونون فعلا رجال أعمال.. و لكنهم بلا شك من “جنس” آخر!
(8618)