Close

بيت من زجاج و جنود من ورق!

صناعة الأفلام في أمريكا من الصناعات العملاقة و الحيوية التي لها دور كبير في تدعيم الإقتصاد الأمريكي حيث تبلغ رؤوس الأموال فيها بالملايين بل بالمليارات، ففي كل عام تنتج هوليوود العشرات من الأفلام التي سرعان ما تجد طريقها إلى دور السينما في مختلف أنحاء العالم.

و لست هنا بصدد الحديث عما تحمله تلك الأفلام من أفكار هدامة و نشر للرذائل و الإباحية، فهذا ليس بخافي على أحد و لكن الذي قد يخفى على البعض هو كم الإيحاءات والأفكار المدسوسة الذي تقوم الإدارة الأمريكية ببثها عبر تلك الأفلام.

من منكم لم يشاهد سلسلة أفلام “رامبو” و “ترمنيونتر” و “سوبر مان” و غيرها من الرموز التي دأبت هوليوود على ابتكارها و إبرازها لرسم صورة زاهية للمقاتل الأمريكي في أذهان الناس، أبرز ملامحها أن المقاتل الأمريكي صنديد لا يهاب الصعاب… مقاتل لا يشق له غبار… يجيد استخدام كافة أنواع الأسلحة و يستطيع إطلاق الرصاص من مدفعين رشاشين دون أن يخطئ إصابة الهدف… المقاتل الأمريكي يقفز من على ارتفاعات شاهقة دون أن يصاب بخدش واحد.. المقاتل الأمريكي شهم و (نشمي) مستعد أن يضحي بكل شيء في سبيل وطنه… المقاتل الأمريكي ببساطة… لايقهرأبدا!!..

و لنأخذ غزو أمريكا لفيتنام في ستينيات القرن الماضي على سبيل المثال، فمازالت هوليوود إلى يومنا هذا تنتج الفيلم تلو الآخر عن أحداث تلك الحرب تلفق فيها سناريوهات لانتصارات وهمية للجيوش الأمريكية بالرغم من العالم أجمع يعلم أن أمريكا تلقت في تك الحرب هزيمة ساحقة و تعرضت لأكبر نكسة تاريخية منذ استقلالها خسرت خلالها الأرواح والأموال الطائلة بسبب قرار فاشل اتخذه رئيسها الأرعن “نيكسون” آنذاك، فهل شاهد أحدكم لحد الآن فيلما واحدا يتناول غزو فيتنام بشكل واقعي و يحكي التفاصيل الحقيقية لما دار على أرضها؟ فجميع تلك الأفلام تصور الأمريكان في صورة الأبطال الذين تحملوا المشاق في أحراش فيتنام؛ من قتل منهم عد ضمن (الشهداء) الأبطال و من نجى منهم و عاد سالما كرم بالأوسمة و النياشين، و بالمقابل تصور الفيتناميين الأبرياء الذين أعتدي عليهم و اغتصبت أرضهم في ثوب القتلة و سفاكين الدماء الذين لا يتورعون عن قتل الأمريكان (المسالمين) بدماء باردة، و تعذيب من وقع بأيديهم بوسائل أشد و أفظع من الممارسات غير الأخلاقية التي يرتكبها الأمريكان هذه الأيام في سجن “أبو غريب”!!

و بعد حادثة البرجين الشهيرة 911 تلقت الأجهزة الأمنية الأمريكية صفعة قوية هي الأقوى في تاريخها اهتزت بسببها صورة أمريكا أمام العالم، لكنها وجدت في الآلة الإعلامية الجبارة في هوليود وسيلة فعالة لتلميع صورتها من جديد و ستعادة الثقة المفقودة و المجد الضائع عبر انتاج سيل من الأفلام لبث مزيد من الإيحاءات للمواطنين و طمأنتهم أن أجهزة أمنها المختلفة لم تزدد إلا قوة و قامت بتسليط الضوء بشكل أكبر على جهاز مخابراتها الشهير الـملقب بـالـ (CIA) و الذي كان لهوليود دور كبير في تعزيز إيحاءات المشاهدين ?و لا أقول حقيقة- بأنه أقوى جهاز مخابرات في العالم!

و لتكتمل مشاهد الصورة لابد من انتاج فيلم أو فيلمين في السنة فيها تحامل صريح على الإسلام و المسلمين و استفزار لمشاعر الشعوب العربية و الإسلامية التي لا يتجاوز ردة فعلها في النهاية.. إصدار خطابات و بيانات التنديد و الشجب و الاستنكار..!! أما الدور الذي تعودنا عليه منذ قديم الأزل فهو دور المتفرج المنبهر بالخدع و الحيل السينمائية المتطورة ثم التصفيق لها و بشدة!!……… و مع ذلك فالحق يقال أنه لا مجال للمقارنة أبدا بين التقنيات الحديثة التي يستخدمها صناع هوليود مع بدائيات الأفلام العربية التي أغلبها إن لم يكن جميعها يدور حول فلك الحب و الغرام و يعج باللقطات و المشاهد الساخنة، أما ما يسمى مجازا بـ (الأكشن) فلا توجد سناريوهات ولا حبكات درامية، و ما يفترض أن يكون ضمن مشاهد العنف لا يتجاوز لقطات متفرقة لقتال شوارع و مجموعة من اللكمات و(البوكسات) لا تسمع لها صوت إلا بعد دقائق بسبب سوء الإنتاج و الإخراج… هذا إذا كنت محظوظا و سمعت شيئا!

أخيرا من يتأمل في أحداث العراق الأخيرة و بطولات أهل الفلوجة و استماتتهم أمام الجيش الأمريكي المدجج بالسلاح يجد أنها تثبت بشكل قاطع أن تلك الصور التي دأبت أمريكا على رسمها للعالم ليست سوى مجموعة من الـ Propaganda الزائفة و أباطيل كاذبة …فالحكومة الأمريكية ليست سوى في النهاية … بيت كبير من زجاج … جنوده مصنوعين من ورق!

(974)