Close

كادت الرحلة أن تفوت!

برود صهري كاد أن يفوت علي موعد الرحلة إلى سنغافورة، فيكفي أننا انطلقنا متأخرين حوالي الثلي ساعة ولكنه لم يكتف بذلك بل قام بالتوقف للتزود بالوقود و قرر أن يتسوق من متجر المحطة لتضيع 10 دقائق أخرى جعلتني طوال الطريق متوترا و على أعصابي.

بالكاد وصلنا إلى مطار دبي قبل موعد الإقلاع بحوالي 40 دقيقة كنت أظنها كافية لكي أنهي كافة الإجراءات اللازمة، و لكني سرعان ما أخذت أهرول كالمجنون في أروقة المطار دافعا أمامي عربة الحقائب بعد أن وقعت عيناي على الشاشة الإليكترونية و هي تشير أن (كاونتر) الخطوط السنغافورية مغلق، و مما زاد الطين بلة تلك الحواجز المتراصة جنبا إلى جنب مشكلة ما يشبه المتاهة كان من المحتم عبورها قبل الوصول إلى جهاز فحص الحقائب.

وصلت أخيرا إلى (الكاونتر) الصحيح بعد أن نجحت في عبور جميع تلك العراقيل المقامة وأنا ألهث من فرط التعب، و تجدد عندي الأمل باللحاق بالطائرة عنما وجدت موظفة الخطوط مازالت موجودة في مكانها و كانت لي بمثابة الملاك الذي نزل من السماء، طبعا (تشرحشت) و نلت بعض (التهزيء) المحترم من قبل الموظفة و مسؤولها الهنديان بسبب تأخري في الحضور – منك لله يا صهري- و لكني تنفست الصعداء عندما سمح لي بالمرور بسلام أنا و عفشي الذي كان يزن 44.6 كيلو جرام فقط …!

لم تنته أحداث القصة بعد حيث كان يتوجب علي أن أدخل في مارثون جديد أقطع خلاله ما يزيد عن الخمسمائة متر للوصول إلى البوابة رقم 21 في أقل من 5 دقائق -أجزم أن العداء الأمريكي كارل لويس لو سابقني في تلك اللحظة… لسبقته! – و مرة أخرى حققت المعجزة و وصلت إلى ابواية المحددة ي الوقت المناسب و أنا متحسر على البنطال الجديد الذي (تكركب) و تعفس قبل أن أستعرضه أمام المسافرين على متن الطائرة و أوشكت دموعي أن تنهمر حزنا على الحذاء الجلدي الأنيق الذي كنت أنتعله للمرة الأولى – و على قدماي المسكينتان اللتان أتعبهما الجري المتواصل- فلو كنت أدري أنني سوف أضطر إلى العدو كل هذه المسافة لاستبدلته بحذاء (الكاوتش) الرياضي الأثري الذي غالبا ما ألبسه في سفراتي و رحلاتي.

أخذت أتفحص الأماكن إلى أن وصلت إلى مكاني الذي فوجئت به في الجزء الخلفي للطائرة و كأن موظفة الخطوط تريد بذلك عقابي على تأخري في الحضور و أنا الذي كنت أتطلع إلى مقعد في قسم رجال الأعمال كما حد معي سابقا (راجع مقالة رجال أعمال من جنس آخر)، وجدت مقعدي محتلا من قبل شخص آسيوي قرر أن يضرب برقم المقعد عرض الحائط و أن يجلس بجوار ابنه الصغير الملتصق بالنافذة إلا أنني لم أكترث بالإعتراض و جلست في المقعد الخالي المجاورحيث كان بالي مشغولا بأداء صلاة المغرب التي لم تتح لي الفرصة لأدائها-منك لله يا صهري- لذلك قررت جمعها مع صلاة العشاء على متن الطائرة، لينتزعني ذلك الجار- الذي لم يكتفي باحتلال مقعدي- من شرودي و هو يتساءل عن سبب سفري إلى سنغافورة فأخبرته بأنني ذاهب لالتحاق بباخرتي من هناك، و تبادلت معه حوارا وديا قصيرا اكتشفت من خلاله أنه عائد إلى الفليبين مسقط رأسه برفقة طفله الصغير بعد أن قضى 10 سنوات في الإمارات و الغريب أنه كان يعمل في إحدى فروع محلات الأزياء الشهيرة NEXT على بعد خطوات قليلة من حيث أسكن في العاصمة أبوظبي و تمنيت لو أنني تعرفت إليه مسبقا لربما حصلت على فانيلات و تيشيرتات ببلاش!

شرعت أعبث في أزرار المقعد في محاولة مني لاستكشافه و كأنها المرة الأولى التي أركب فيها الطائرة التي أقلعت بسلام و عانقت غيوم السماء و أنا مازلت منهمكا في عبثي أنتظر إشارة فك أحزمة المقاعد كي أتمكن من أداء الصلاة، و ما ان انطفأت الإشارة حتى تدافع الركاب بشكل غريب نحو دورات المياه-الظاهر مافي في بيوتهم حمامات!- انتظرت قليلا حتى يخف الزحام لكن الإقبال زاد أكثر، فقمت من مقعدي و اتجهت نحو إحدى المضيفات لعلها تتوسط لي بالصلاة في قسم الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال على أقل تقدير لكنها أشارت إلى المساحة الضيقة أمام دورة المياه المقابلة لكي أصلي فيها و فاجأتني خلال حديثها معي (بوكزة) على ساعدي الأيمن و هي تضحك مازحة كدت أن أبكي بسبها ليس لقوتها و لكن لأنها سوف تضطرني إلى تجديد وضوئي للصلاة و أنا الذي كنت أجاهد طوال الوقت ان أبقى على طهارة، فأي عقوبة على المرء أشد من الوضوء داخل حمام الطائرة الذي لا يتعدى مساحته متر في متر؟! و غدا نكمل.

(941)