Close

جرو متوحش!

من أجمل أيام حياتي فترة الخمس سنوات التي أمضيتها في الملكة المتحدة للدراسة، فخلالها تعلمت الكثير و زاد رصيدي من الخبرة التي لا أعتقد أنني كنت سأحصل على ربعها لو أنني أكملت دراستي داخل الدولة.

من حكايات أيام الدراسة الطريفة التي تجبرني على الضحك كلما تذكرتها، موقف أو بالتحديد مواقف كنا نتعرض لها بشكل يومي تقريبا، فخلال السنة الأولى لدراستنا في الكلية و بالتحديد في الفصل الأول سكنت أنا وصديق لي عند إحدى العوائل الإنجليزية، و قمنا باستئجار غرفتين متجاورتين في روف البيت الذي كان قريبا جدا من الكلية، لسوء حظنا كانت تلك العائلة تربي معها جروين أحدهما كان شرسا للغاية شراسة غير طبيعية و ذلك بالرغم من مظاهر السكينة و الوداعة التي تبدو عليه، ففي كل مرة يرى أو يشم رائحة تدل على اقتراب أحد منا حتى يسارع بالهجوم و هو ينبح نباحا هيستيريا لنولي بعدها الأدبار من حيث أتينا، و لا ينقذنا من هجمات ذلك الجرو المتوحش إلا صراخ صاحب أو صاحبة البيت و زجره لمغادرة المكان و العودة إلى غرفة الجلوس، مما يجعل ذلك الجرو ينكس رأسه و يهز ذيله بكل خضوع و استسلام و هو يرمقني أنا و صديقي بنظرة خبيثة تحمل بين طياتها رسالة تقول :” وراكم.. وراكم و الزمن طويل!”

لذلك كان الواحد منا يفكر ألف مرة قبل أن يهم بالخروج من غرفته، و إذا كان لا مفر من الخروج كمشوار الذهاب إلى الكلية صباحا يقوم أحدنا بالتأكد من خلو الطريق إلى الأسفل و يتأكد الآخر من أن ذلك الجرو محبوس خلف باب غرفة الجلوس، لنخرج بعدها من جحورنا و ننزل بكل هدوء و نحن نكتم أنفاسنا خشية أن يفتح أحد باب الغرفة و ينتبه الجرو لنزولنا فيبادر بالهجوم، و نفس فصول المعاناة تتكرر يوميا عندما نعود و نهم بالدخول حتى أننا نضطر أحيانا إلى البقاء خارج المنزل إلى أن نتأكد من أن حركة داخل المنزل هدأت و سكنت و صار الطريق سالكا للدخول مجددا، لكن في كثير من الأحيان يستغفلنا ذلك الجرو إذا ما وجد فرصة سانحة فيشرع كالعادة في النباح بصوت عالي مما يجعلنا نهرول مسرعين إما دخولا أو خروجا و نحن نلهث من فرط التعب.

و بالرغم من أنني لا أخشى الكلاب -و إن كنت أتجنب ملامستها خشية أن أصاب بنجاسة- إلا أن ذلك الجرو كان يثير الرعب بداخلي لسبب مازلت أعجز عن إيجاده، أما صديقي فيبدو أن له تجربة سابقة مريرة مع أحد الكلاب في صغره مما أصابه بعقدة من جميع أنواع الكلاب، لذلك كثيرا ما كنت أتندر عليه و أنا أراه يسبقني إلى الغرفة و هو يصرخ بشكل هيستيري هربا من ذلك الجرو و كأن شياطين الدنيا تلاحقه و ليس مجرد جرو صغير لا يتعدى حجمه حجم قطة صغيرة، أجزم أن (رفسة) واحدة من رجل أحدنا كانت كافية لتطيره أمتارا عديدة، و لا شك أن هروبنا من أمامه في البداية هو الذي شجعه (للتعملق) أمامنا فلو أننا اتخذنا موقفا حازما منذ البداية لعرف أنه ليس سوى جرو صغير للزينة فقط.. فالعملاق لا يتعملق إلا عندما يشاهد من حوله من الأقزام!!

(1064)