الدروع الجنوبية

كان من المفترض أن أكون الآن على متن الطائرة متجها إلى المملكة المتحدة و لكني اضطررت إلى تأجيل سفري ليومين آخرين لكي أنهي ما تبقى لي من مشاغل، عموما مازال هناك متسع كافي من الوقت فالدراسة سوف تبدأ في اليوم الحادي و العشرين من الشهر الحالي.

سأقيم بإذن الله في South Shields و ترجمتها العربية هي الدروع الجنوبية و هي بلدة صغيرة تقع في الجزء الشمالي الشرقي من بريطانيا ضمن مقاطعة Tyne & Wear عدد سكانها يصل إلى مائة ألف نسمة تقريبا، و تستوطنها جالية آسوية كبيرة، بالإضافة إلى أكبر جالية يمنية في بريطانيا، لذلك ليس من الصعب الحصول على لحوم مذبوحة على الطريقة الإسلامية بالإضافة إلى العديد من المطاعم الآسوية التي تقدم مختلف أطباق الكاري و التندوري و التي يتركز معظمها في شارع المحيط (Ocean Road).

South Shields أو (سعودي شيلدز) كما اشتهرت لاحقا و ذلك بسبب كثرة أعداد الطلبة السعوديين الذين يتم ابتعاثهم لدراسة العلوم البحرية في كلية South Tyneside College من قبل شركة أرامكو السعودية، إلا أنها تشتهر عموما بالصناعات البحرية حيث كانت مقرا لبناء الفرقاطات البحرية خلال الحربين العالميتين الأولى و الثانية، لكن شهرتها الحالية اكتسبتها من وجود الكلية البحرية المذكورة أعلاه و التي تعد الأعرق في المملكة المتحدة لذلك هي تعد قبلة لطلبة الدراسات البحرية من شتى أقطار العالم، مع أن الدراسة هذه الأيام لم تعد تقتصر علىالعلوم البحرية فحسب بل أصبحت فنون الطبخ و المكياج تدرسان أيضا بالإضافة إلى العديد من التخصصات الأخرى التي لا تمت بالبحر لا من قريب و لا من بعيد!!

يوجد في البلدة مسجدان أحدهما تم بناؤه على نفقة السفارة السعودية منذ أكثر من 25 سنة و مرفق به مدرسة لتعليم أبناء الطلبة العرب بالإضافة إلى وقف من الشقق للصرف على احتياجات المسجد و المدرسة أما المسجد الآخر فهو مخصص للجالية الآسوية، الهدوء و الأمان هما السمتان الغالبتان على هذه البلدة الصغيرة التي عشت فيها سابقا ما يقارب الخمسة سنوات، كما أن سكانها الذين يشتهر لقبهم بـاالـساندسرز Sanddancers يتميزون بالطيبة و سهولة التعايش معهم مقارنة مع أهل الجنوب، وربما يرجع ذلك إلى تآلفهم مع الجاليات الآسيوية بينهم فالقاعدة المعروفة في بريطانيا أنك كلما اتجهت شمالا كلما كان الناس أكثر طيبة، و هذا سبب اختياري الإقامة مجددا في هذه البلدة مع أن دراستي سوف تتمركز في لندن و بالتحديد في جامعة City University و لكن المحاضرات لن تتجاوز مدتها الثلاثة أيام شهريا، وكما يقول المثل:

“المكان الذي تعرفه خير من المكان الذي لا تعرفه!”

كما أن الإقامة في لندن مكلفة جدا مقارنة مع المدن الأخرى فإيجار شقة مكونة من غرفتين و صالة في قلب عاصمة الضباب لا يقل بحال من الأحوال عن ألفي جنيه شهريا بينما بالأمكان الحصول على نفس الشقة بمواصفات أفضل بربع التكلفة في South Shields!

صحيح أن الحياة هناك مملة نسبيا بسبب افتقار البلدة لأماكن سياحية جذابة باستثناء شواطئها الجميلة كونها مدينة على الساحل، إلا أن الميزة تكمن في قربها من مدينة نيوكاسل إحدى المدن الرئيسية الكبرى في بريطانيا.

لا شك أن الحياة سوف تكون مختلفة بعد غياب دام أكثر من ثلاث سنوات فهذه المرة سوف أعود مصطحبا عائلتي و ليس أعزبا كما كنت في السابق، و لكنها بالتأكيد ستكون أكثر راحة في ظل كمية الأغراض و المأكولات التي قمت بشحنها معي!

من الأمور التي تضايقني هو هطول الأمطار بشكل مستمر فلا يكاد يمر يوم أو يومان إلا و السماء متلبدة بالغيوم لدرجة أن اليوم الذي تظهر فيه الشمس يعد بمثابة عيد لأهل البلدة! و لكن مع اقتراب فصل الشتاء لا أعتقد أنني سأهنأ برؤية قرص الشمس التي تفضل التواري خلف السحب و الغيوم التي تحمل المطر!!

(1796)