بالأمس قررت أن أتمشى قليلا بعد صلاة المغرب و أن أذهب لشراء قطع من الجاتوه اللذيذ من المخبز القريب، و قلت لنفسي: “بالمرة أجرب السير في نفق المشاة الجديد الذي افتتح للتو”، اتخذت طريقي إلى المخبز الذي يبعد حوالي الكيلومتر تقريبا و ذلك بعد فراغي من أداء صلاة المغرب في المسجد، كان الجو لطيفا يساعد على المشي بعد انتهاء الموجة الحارة التي ضربت البلاد لمدة يومين، و بالفعل مررت من نفق المشاة كما كنت أخطط إلا أنني لم أجد أحدا يستخدمه سوى امرأة واحدة كانت تتحدث بالهاتف المتحرك عند المدخل و رجل آخر قادم من الطرف الآخر، و يبدو أن أغلب المشاة يفضلون عبور الشارع بالطريقة التقليدية و لا ألومهم في ذلك حقيقة فلم تكن هناك كثافة سيارات كبيرة تجبر المشاة على استخدام النفق علاوة على وجود فتحات في السور الذي يحيط بالمنطقة التي تفصل بين الشارعين، و مازلت أرى أنه كان من الأولى على البلدية أن تصرف تلك المبالغ الطائلة التي خصصتها لشق أنفاق المشاة التي لا تستخدم إلا من أشخاص يعدون على الأصابع في بناء مواقف سيارات عامة سوف تساعد على حل مشكلة الازدحام الذي تعاني منه المدينة.
و بينما أنا غارق في تخيلاتي و أحلامي عن الجاتوه و الكيك الذي أمني نفسي بأكله بعد قليل، إذا بي أسمع من يلقي علي السلام، رددت السلام و أنا ألتفت إلى مصدر الصوت لأفاجأ بشاب يمد يده لمصافحتي بكل حرارة و كأنه يعرفني منذ مدة طويلة، مددت يدي بدوري مصافحا و على وجهي أكثر من علامة استفهام على هذه المصافحة الحارة جدا، و انتهزت الفرصةلأقوم باختلاس نظرات سريعة إلى وجه ذلك الشاب تلمست منها أنه في شاب في أواخر العشرينات من عمره غريب عن البلد و هيئته تدل على أنه من إحدى الدول الخليجية المجاورة.
عموما اكتشفت أنه استوقفني لمجرد السؤال عن كيفية الوصول إلى منطقة (الخالدية) و هي منطقة سكنية مزدحمة بالسكان فأخبرته بأنه يجب عليه أن يمشي مسافة ما لا يقل عن أربعة كيلومترات على ستستغرق منه مدة ثلاثة أرباع الساعة إذا ما أسرع الخطى و نصحته بأن يستقل سيارة أجرة إذا ما كان مستعجلا، لكنه أنه أصر على أن يقطع تلك المسافة الطويلة مشيا على الأقدام فوصفت له المكان بدقة بعد أن علمت أنه يقصد إحدى المكتبات هناك، هممت بإكمال طريقي نحو الجاتوه أقصد نحو محل الجاتوه بعد أن شكرني لكنني فوجئت به يستوقفني مجددا كي يتأكد من عنوان المكان و من ثم فتح حوار أو (سالفة) جديدة بعد أن علم اهتمامي بالكتب و الثقافة بصفة عامة .. و بعدها تطرق إلى الحديث عن الإنترنت و مساوئه.. ثم عن معرض الكتاب الذي سوف يقام بعد أيام قليلة …لأجد نفسي قد تورطت معه في دوامة من الحوارات.. كل حوار يجر الآخر و كل هذا و نحن واقفان على الرصيف، و في كل مرة أظن أنه سينهي الحوار و يدعني أذهب في حال سبيلي أفاجأ به يبدأ موضوعا جديدا.. أضطر أن أتجاوب فيه معه .. إلى أن أن تطرق إلى بعض التفاصيل الشخصية لأجد نفسي أضطر من جديد أن أعرفه بنفسي ووظيفتي، و كانت الطامة الكبرى عندما أخبرته عن طبيعة عملي لأتورط في الدخول في دوامة جديدة كان علي خلالها أن أشرح له معنى مصطلح (مهندس بحري) و أبين له حجم السفن التي أعمل عليها…و الظاهر الحبيب استانس فأخذ يسأل عن نوع المحركات .. و مجموعة من التفاصيل التي يطول شرحها و المصيبة أنه في النهاية قد لا يفهمها!… و المسكين (أنا) على أعصابي همي الأول و الأخير هو شراء قطع الجاتوه و العودة إلى البيت و لم أكن أتصور أن تلك الرحلة التي من المفروض ألا تستغرق أكثر من 15 دقيقة تمتد إلى 40 دقيقة تقريبا بعد أن أخذت ذلك الشاب من وقتي ما لا يقل عن 20 دقيقة، ما لم أرتح له هو إصرار ذلك الشاب على لقائي مجددا بل و حدد اليوم التالي لذلك بالرغم من إخباري له بأن وقتي ضيق فلم يتبق على سفري إلا أيام قليلة إلا أنه مع ذلك صمم فحاولت أن آخذ منه رقم هاتفه لأنسق معه لقاء إذا ما أتيحت لي الفرصة لكنه تعذر بعدم وجود هاتف لديه و طلب رقم هاتفي عوضا عن ذلك!! حينئذ أيقنت أنني في ورطة حقيقية فلم أجد مفرا من أن أعده بلقاء يوم الأربعاء صباحا متعذرا بانشغالي يوم الثلاثاء، فقد كنت أريد الفكاك من براثن ذلك الشاب بأية وسيلة!!
و الحمدلله تم إطلاق سراحي أخيرا و ذهبت إلى حال سبيلي و أنا أضرب أخماسا في أسداس أفكر في كيفية الخلاص من هذه الورطة التي تتمثل في الموعد مع ذلك الشاب الخليجي، و وجدت في التهام قطع الجاتوه متنفس لي و لو كان بشكل مؤقت!
ياليت الأمر اقتصر على ذلك فبعد صلاة العشاء خرجت بصحبة عائلتي لقضاء حاجة ما.. لأفاجأ بالهاتف يرن و رقم غريب يظهر على الشاشة،رددت على المكالمة لأسمع صوت ذلك الشاب على الطرف الثاني يشرح لي الأحداث التي صارت له بعد أن تركني و طلب مني تقديم الموعد إلى اليوم (الثلاثاء)، مما زاد من هواجسي و شكوكي بشأن ذلك الشاب فهل من المعقول أن يوطد ذلك اللقاء العابر على (رصيف الشارع) العلاقة فيما بيننا ليسارع بالاتصال بي ساعتين من اللقاء و كأننا أصدقاء من زمان؟ حقيقة عجزت عن تفسير تلك الأحداث و المواقف التي مررت بها، صحيح أنني لست من النوع المتحفظ و لكن تسارع تلك الأحداث و تصرفات ذلك الشاب الغريبة التي لم أعتدها من قبل أجدها تجبرني على أخذ الحذر من ذلك الشاب و أن أبدي بعض التحفظ على الموضوع بصفة عامة لأجد نفسي في النهاية حائرا .. هل أحسن الظن بذلك الشاب و ألقاه حسب الموعد أم أعتذر منه و كل يذهب في حال سبيله…لو كنتم مكاني هل سيثير ذلك ريبتكم و شكوكم؟!.. و ما رأيكم في تكوين مثل هذه العلاقات مع مثل هذه النوعية من الأشخاص؟!.. هل تعتبرونها نوعا من أنواع التطفل أم طريقة تعارف عادية قد تحدث في كثير من الأحيان؟!
(934)