بعد خروجنا من اليابان لم يكن لدينا خيار آخر لتفادي الإعصار المتواجد أمامنا سوى أن نقوم بتغيير مسار السفينة لنمر من خلال الطريق الملاحي الضيق الذي يفصل بين جزيرة تايوان و أرض الصين و هو ما يسمى بمعبر تايوان، فلو أننا بقينا على نفس خط السير المعتاد فلن يكون هناك مفر من الاصطدام و الدخول في وسط الإعصار (نيدا) الذي ضرب الأجزاء الشرقية من جزر الفليبين و تسبب في مقتل مالا يقل عن 19 شخص إضافة إلى تشريد المئات من الأسر و العوائل، بعد أن وصلت سرعة الرياح إلى أكثرمن 110 ميل بحري قامت بإلحاق أضرار جسيمة تقدر بالملايين في ثمانية من المقاطعات الشرقية التي أعلنت حالة الطوارئ العامة ، و لحسن حظنا استطعنا الإفلات من هذا الإعصار المدمر و نجحنا في المرور بسلام و إلا فإن مصيرنا كان سيكون على كف عفريت كما يقولون!، فبالرغم من ضخامة حجم السفينة إلا أننا لا نمثل أمام مثل هذه الأعاصير أكبر من حجم علبة الكبريت، أذكر أننا واجهنا إعصارا مشابها خلال أول رحلة لي على متن إحدى هذه السفن صيف 1997 و مع أننا كنا بعيدين مسافة 200 ميل بحري عن مركز ذلك الإعصار إلا أن ذلك لم يكن كافيا لتجنب آثاره، فكانت الأمواج العملاقة تدك جسم السفينة محدثة دويا هائلا يصم الآذان و مسببة لارتجاجات عنيفة تهز أرجاء السفينة و تجعلها تتمايل في كافة الإتجاهات كان من المستحيل خلالها النوم أو حتى مجرد الاستلقاء على الفراش!
لا شك أن نعمتي الأمن و الأمان لا تقدران بثمن، فكم من الشعوب تقطن بالقرب من فوهات براكين نشطة قد تثور في أي لحظة و تتسبب في مالا يحمد عقباه، و شعوب أخرى تعيش في مناطق يتكرر فيها حدوث الزلازل دون أية مقدمات، و هناك مدن و قرى تعودت بشكل دائم على مرور الأعاصير المدمرة التي تعيث فيها فسادا،…فيضانات.. جفاف…حرائق….و جميع أناوع الكوارث و مع ذلك تجد من الناس من يتذمر من الجو الحار و الرطوبة العالية في بلادنا صيفا بالرغم من تواجد أجهزة التكييف في كل منزل، فبالتأكيد الحرارة و الرطوبة تهونان في مقابل الكوارث و المصائب التي تصاب بها الأمم الأخرى فلله الحمد و المنة دائما و أبدا.
الجواز المفقود!
تصادف مرور ناقلة أخرى شقيقة في طريقها إلى اليابان خلال نفس فترة توقفنا البسيطة مقابل سواحل سنغافورة، و نزل من على متنها اثنين من زملائي أنهيا فترة العمل المحددة، إلا أنني ضحكت بملئ فمي عندما تنامى إلى مسامعي تعرض أحدهما إلى موقف طريف و محرج في نفس الوقت ، فبينما هما على متن القارب الصغير الذي عادة ما يتولى مهمة توصيل الأشخاص و المؤن إلى السفينة ، اكتشف أحدهما أنه نسي جواز سفره فاضطروا للعودة مجددا إلى موقع السفينة قبل أن تغادر شمالا نحو اليابان، و لحسن الحظ استطاعوا اللحاق بها و استعادة جواز السفر قبل أن يفوت الأوان و يتورط زميلي في متاهات سياسية مع السلطات السنغافورية هو في غنى عنها بالتأكيد… الظاهر أن الحماس و الشوق الزائد لجو البلاد أنسياه التأكد من اصطحاب جواز سفره الذي يعتبر أثمن و أغلى ما يملكه الواحد منا خصوصا عندما يغادر السفينة!
دائما ما أحرص على التأكد من اصطحاب جواز سفري و تذكرة الطيران قبل أن كل شيء… و أنتم أيضا.. تأكدوا دائما من كافة تجهيزاتكم قبيل سفركم فموسم السفر على الأبواب..وليس هناك أسوأ من أن تكون متواجدا على أرض المطار بدون جواز سفرك… أو تذكرة الطيران!
(954)