Close

مغامرات بن لندن

لا أنكر ولعي الشديد بقراءة كتب الرحلات و عشقي لكتب السير و التراجم و قد وجدت ضالتي في كتاب رائع قرأته مؤخرا؛ و هو كتاب “الرمال العربية” للمستكشف البريطاني الشهير السير “ويلفرد ثيسنجر” الملقب بـ”مبارك لندن”.

وثق الكاتب في هذا الكتاب تفاصيل رحلاته المكوكية في أرجاء الجزيرة العربية و عبوره للربع الخالي، و كشف النقاب عن طبيعة الحياة القاسية الي كان يعيشها الأهالي في الماضي في ظل الصراعات الدموية التي كانت تدور بين القبائل المختلفة و التي أغلبها يتمركز حول سلب النوق و الجمال التي كانت تمثل محور حياة البدو في تلك الفترة.

كانت الحياة في الصحراء مع قساوتها بسيطة جدا خالية من المنغصات التي جلبتها الحياة المدنية الحديثة، و مظاهر البساطة تلك كانت سر تعلق الكاتب بتلك الحياة التي نجح نجاحا غريبا في التأقلم معها و الاندماج مع قبائل الرواشد و المناهيل و آل كثير الذين كانوا يستوطنون الأجزاء الشرقية و الشمالية الشرقية من شبه الجزيرة العربية و كانوا عونا له في تحقيق حلمه الكبير في اجتياز الربع الخالي التي تشكل واحدة من أقسى صحاري العالم.

كما وضح تاثر الكاتب بشكل واضح بالأخلاق العربية و الإسلامية و اطلاعه بمعلومات غزيرة عن حياة الأهالي في تلك الفترة، و قد صرح في غير موضع في الكتاب بمدى إعجابه بأخلاق البدو و عاداتهم من كرم و شجاعة و التزام الكثير منهم بتعاليم الدين الإسلامي التي تختلف بالكلية عن مثيلتها في بريطانيا، و لكن المستغرب ألا يساهم ذلك في اعتناقه للإسلام و هو ما عزز بعض الفرضيات التي تقول بأن”مبارك بن لندن” أحد الجواسيس البريطانيين، و ربما هذه الفرضية كانت السبب وراء اتخاذ بعض القبائل مواقف هجومية و إطلاق لقب (المسيحي) و منعه من المرور عبر أراضيهم و مرابعهم و تهديده بالقتل في حالة عدم التزامه بذلك!

الكتاب مليء بالمغامرات المثيرة و المواقف الطريفة التي مر بها مع البدو، و هو غني أيضا بالمعلومات القيمة المعززة بالصور النادرة عن المنطقة خلال فترة الأربعينيات من القرن الماضي، لذلك أنصح من لم يقرأ الكتاب بعد أن يسارع إلى أقرب مكتبة لاقتنائه لكي يتعرف على “بن كبينة” و “بن غبيشة” رفيقي بن لندن المقربين من الرواشد اللذان أهدى لهما هذا الكتاب بالإضافة إلى شخصيات عديدة رافقت بن لندن خلال رحلاته، وكذلك تفاصيل لقائه المثير مع الشيخ زايد حاكم منطقة البريمي في تلك الفترة و التي نشأ على إثرها علاقة خاصة جدا بين الكاتب و الشيخ زايد امتدت إلا حين وفاة الكاتب قبل عدة سنوات .

(898)