Close

حكاية مطعم (2-2)!

توقفت في المقال السابق عند ذلك الشايب المتصابي الذي لم يكتف بمرافقة حسناء واحدة بل جاء مصطحبا لاثنتنين ربما ليثبت لمن حوله أنه مازال يمتلك حيوية و صحة الشباب! تمنيت في تلك اللحظة لو أن (أم العيال) فاجأته بزيارة إلى المكان لتقبض عليه متلبسا بالجرم المشهود (و تغسل شراعه) أمام رواد المطعم – كما نشاهد في الأفلام و المسلسلات العربية-فيكون عبرة لكل من تسول له نفسه اللعب بذيله! أو أن (يطب) عليه أحد أبنائه ليرى ماذا يفعل والده الموقر عندما يغيب عن البيت، لكن أيا من تلك الأماني لم تتحقق فبلعت ريقي على مضض و جلست أنصت باهتمام لكلام صاحبنا (كزنوفا) زمانه لأفاجأ حقيقة بأن حديثه تمركز بشكل عام حول الدين الإسلامي لتتحول دفة الحوار إلى مناقشة الاختلافات الجوهرية في مذاهب أهل السنة الأربعة تلتها عودة سريعة إلى زمان الوحي و كيفية نزوله على النبي صلى الله عليه و سلم،و يبدو أن الحبيب (استانس) بعد أن وجد آذان صاغية من قبل تلك الحسناوتين تتخللها ضحكات مائعة بين الفينة و الأخرى و تعليقات بعيدة تماما عن الموضوع كانت تدل على أنهما في واد و صاحبنا (المؤرخ) في واد آخر لكنه مع ذلك أخذ يسترسل في حديثه ليحكي قصة خلق سيدنا آدم و زوجه حواء و إخراجهما من الجنة، ليختم (سواليفه) الشيقة مع فراغهم من تناول وجبة العشاء بموقف من سيرة الفاروق عمر!

أما أنا فقد كنت أحاول جاهدا أن أكتم ضحكاتي و ضحكات من معي خوفا من أن تتسرب إلى مسامعهم لعل و عسى يتطرق في حديثه إلى سرد أحداث غزو التتار لبغداد عاصمة الدولة العباسية آنذاك و تفاصيل معركة عين جالوت!، و أخذت أضرب كفا بكف ألما و حسرة على حال هذاالشايب و أحدث نفسي قائلا: (( يا الله..نسألك السترو حسن الخاتمة))!

أما زيارتي الأخيرة فكانت قبيل سفري مباشرة، عندما أردت أن أكرم بطني و أدللها بوجبة دسمة قبل فترة من الانقطاع ستدوم لعدة أشهر، و أنا أدعو الله و أبتهل أن تمر هذه الليلة بسلام لتكون مسك الختام لإجازة طويلة قضيتها على أرض اليابس، لكن كما يقول المثل:- ((تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن)) فبالرغم من أني تعمدت أن آتي متأخرا قبيل موعد الإغلاق بقليل تفاديا لوقت الازدحام و الذروة، إلا أن هذا لم يمنع شابين أنيقين أن يتقدما ثلاثة من الفتيات في كامل بهرجتهن و زينتهن ليتخذوا مكانا لهم في الكابينة الملاصقة تماما لنا، فحاولت جاهدا إقناع زوجتي بأنهم افراد عائلة واحدة أو على الأقل تجمعهم صلة قرابة و دم، جاؤا مثلنا يبحثون عن مكان هادئ يتناولون فيه عشاءهم بعيدا عن أعين الفضوليين، لكن سرعان ما نُسِفت محاولاتي و ظنوني (البريئة) و ذهبت أدراج الرياح بعد أن رأيت أضواء الفلاشات تسطع في المكان لنكتشف أن (الحبايب) انشغلوا بالتقاط الصورالرقمية لبعضهم بواسطة إحدى كاميرات (الديجيتال) و أصوات ضحكاتهم تتعالى وسط السكون الذي يلف المكان، و أسقط في يدي عندما تطرق إلى مسامعي أجزاء من الحوار الدائر بينهم و الذي يستحيل أن يدور بين أفراد عائلة واحدة أو أناس عندهم (دم) فلم أسمع من قبل عن أخ يتبادل كلمات الحب و الغرام مع أخته و في مكان عام!!

انفض السامر على خير، و غادر (العشاق) المكان ليكملوا جولتهم التي مازلت عند رأيي في أنها كانت (عائلية) و خرجنا بعدهم و أنا أضرب أخماسا في أسداس و قد عقدت العزم بألا آكل مرة أخرى إلا وجبات (تيك أوي) أو أن تقوم إدارة المطعم بنصب خيمة منفردة عند المدخل بعيدا عن بقية الرواد فيكفيني ما رأيته وسمعته إلى الآن!

آخر وجبة:

كثير من المطاعم تخصص أماكن منفصلة للعائلات إلا أن أغلب روادها من (العزاب و العازبات)… و ما خفي وراء الستار.. كان أعظم!